وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

     .. سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". **** وعن أبي هريرة و أبي سعيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر *** قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ لخمس ما أثقلَهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفَّى للمرء المسلم فيحتسبه ***

ad

الخميس

جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه. ذو الجناحين

ذو الجناحين
إنه جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- شهيد مؤتة، وابن عم رسول الله

مقدمة
الشقيق الأكبر لعلي -رضي الله عنه-


 أسلم مبكرًا، وأسلمت معه في نفس اليوم زوجته أسماء بنت عُميْس، وتحملا نصيبهما من الأذى والاضطهاد في شجاعة وثبات.

كان أشبه الناس خَلْقًا وخُلُقًا بالرسول كنَّاه الرسول "
بأبي المساكين" ولقبه بذي الجناحين

 وقال عنه حين قطعت يداه: (إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء) [الحاكم].

وكان جعفر -رضي الله عنه- يحب المساكين ويطعمهم ويقربهم منه، ويحدثهم ويحدثونه

 يقول عنه أبو هريرة: كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب.

ويقول عنه أيضًا: ما احتذى النعال، ولا ركب المطايا، ولا وطئ التراب بعد رسول الله  أفضل من جعفر بن أبي طالب.

ولما خاف الرسول   على أصحابه اختار لهم الهجرة إلى الحبشة

 وقال لهم: (لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد)، فخرج جعفر وأصحابه إلى الحبشة، فلما علمت قريش، أرسلت وراءهم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة -وكانا لم يسلما بعد-، وأرسلت معهما هدايا عظيمة إلى النجاشي ملك الحبشة؛ أملا في أن يدفع إليهم جعفر وأصحابه فيرجعون بهم إلى مكة مرة ثانية ليردوهم عن دين الإسلام.

ووقف رسولا قريش عمرو وعبد الله أمام النجاشي فقالا له: أيها الملك!

إنه قد ضوى (جاء) إلى بلادك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك (المسيحية)

 بل جاءوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم، وأعمامهم، وعشائرهم لتردهم إليهم.

فلما انتهيا من كلامهما توجَّه النجاشي بوجهه ناحية المسلمين وسألهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، واستغنيتم به عن ديننا؟

فقام جعفر وتحدث إلى الملك باسم الإسلام والمسلمين قائلاً: أيها الملك، إنا كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى عبادة الله وحده، وخَلْعِ (ترك) ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، فصدقناه وآمنا به، فعذبنا قومنا وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان، فلما ظلمونا، وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك.


استمع النجاشي إلى كلمات جعفر، فامتلأت نفسه روعة بها

 ثم سأله: هل معك شيء مما أنزل على رسولكم؟

 قال جعفر: نعم

 فقال النجاشي: فاقرأه علي.

فقرأ جعفر من سورة مريم

 فبكى النجاشي، ثم توجه إلى عمرو وعبد الله

وقال لهما: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة (يقصد أن مصدر القرآن والإنجيل واحد).

 انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما.

فأخذ عمرو يفكر في حيلة جديدة، فذهب في اليوم التالي إلى الملك وقال له: أيها الملك، إنهم ليقولون في عيسى قولاً عظيمًا، فاضطرب الأساقفة لما سمعوا هذه العبارة وطالبوا بدعوة المسلمين، فقال النجاشي: ماذا تقولون عن عيسى؟

فقال جعفر: نقول فيه ما جاءنا به نبينا (: هو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه.

عند ذلك أعلن النجاشي أن هذا هو ما قاله عيسى عن نفسه، ثم قال للمسلمين: اذهبوا، فأنتم آمنون بأرضي، ومن سبكم أو آذاكم فعليه ما يفعل، ثم رد إلى قريش هداياهم.

وعاد جعفر والمسلمون من الحبشة بعد فتح خيبر مباشرة، ففرح الرسول ( فرحًا كبيرًا وعانقه

وهو يقول: (ما أدرى بأيهما أنا أشد فرحًا؛ أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟) 
[الحاكم].

وبنى له الرسول ( دارًا بجوار المسجد ليقيم فيها هو وزوجته أسماء بنت عميس وأولادهما الثلاثة؛ محمد،وعبد الله، وعوف، وآخى بينه وبين معاذ بن جبل -رضي الله عنهما-.

وفي العام الثامن من الهجرة، أرسل النبي ( جيشًا إلى الشام لقتال الروم، وجعل الرسول ( زيد بن حارثة أميرًا على الجيش وقال: (عليكم بزيد بن حارثة، فإن أصيب زيد، فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة) [أحمد والبخاري].

 ودارت معركة رهيبة بين الفريقين عند مؤتة، وقتل زيد بن حارثة، فأخذ الراية جعفر، ومضى يقاتل في شجاعة وإقدام وسط صفوف الروم وهو يردد بصوت عالٍ:

يَا حَبَّذَا الجَنَّةُ وَاقْتِرَابُهَــــا طَيَّبَةٌ، وَبَارِدٌ شَرَابُهَــــــا

وَالرُّومُ رومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَــا كَافِرَةٌ بَعيِدَةٌ أنْسَابُهَــــــا

عليَّ إِذْ لاقيتها ضرابهـــا

وظل يقاتل حتى قطعت يمينه، فحمل الراية بشماله فقطعت هي الأخرى، فاحتضن الراية بعضديه حتى استشهد. يقول ابن عمر: كنت مع جعفر في غزوة مؤتة، فالتمسناه فوجدناه وبه بضع وتسعون جراحة، ما بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، وعلم الرسول ( خبر استشهاده، فذهب إلى بيت ابن عمه، وطلب أطفال جعفر وقبلهم، ودعا لأبيهم -رضي الله عنه-.


جعفر بن أبي طالب
شرف نسب جعفر بن أبي طالب :

جعفر بن أبي طالب هو جعفر بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله ، وأخو عليّ بن أبي طالب لأبويه، وهو جعفر الطَّيَّار، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أسلم قديمًا، وهاجر الهجرتين.



مولد جعفر بن أبي طالب :
ولد في مكة المكرمة سنة 34 قبل الهجرة.

زوجة جعفر بن أبي طالب :
كانت أسماء بنت عُمَيْس -رضي الله عنها- تحت جعفر بن أبي طالب ، وهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت هناك عبد الله بن جعفر، ومحمد بن جعفر، وعون بن جعفر، وهلك عنها جعفر بن أبي طالب ، قتل يوم مُؤْتة بمؤتة من أرض الروم، فخلف عليها بعده أبو بكر الصديق ، فولدت له محمد بن أبي بكر بالبيداء.


أولاد جعفر بن أبي طالب:
كان لجعفر بن أبي طالب من الولد عبد الله ، وبه كان يكنى، وله العقب من ولد جعفر، ومحمد وعون لا عقب لهما، ولدوا جميعًا لجعفر بأرض الحبشة في المهاجر إليها.

عن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه قال: ولد جعفر بن أبي طالب عبد الله وعون ومحمد بنو جعفر، وأخواهم لأمهم يحيى بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن أبي بكر، وأمهم الخثعمية أسماء بنت عُمَيْس رضي الله عنها.


المؤاخاة:

قال ابن إسحاق: آخى رسول الله بين معاذ بن جبل وجعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما.


قصة إسلام جعفر بن أبي طالب :

عن يزيد بن رومان قال: أسلم جعفر بن أبي طالب قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم ويدعو فيها.

فقد أسلم بعد إسلام أخيه عليّ بقليل.

 وروي أن أبا طالب رأى النبي وعليًّا يصليان، وعليّ عن يمينه، فقال لجعفر : "صل جناح ابن عمك، وصلِّ عن يساره". قيل: أسلم بعد واحد وثلاثين إنسانًا، وكان هو الثاني والثلاثين.

وله هجرتان: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة.



أهم ملامح شخصية جعفر بن أبي طالب :
أبو المساكين :


عن أبي هريرة أن الناس كانوا يقولون: أكثرَ أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول الله بشبعِ بطني حتى لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب ، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العُكَّة التي ليس فيها شيء، فنشُقُّها فنلعق ما فيها. وقد كنَّاه النبي بأبي المساكين؛ لأنه كان يلازمهم.

وعن أبي هريرة قال: ما احتذى النعال ولا انتعل، ولا ركب المطايا بعد رسول الله أفضل من جعفر بن أبي طالب .


ذو الجناحين وطيار الجنة :

عن الشعبي أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.


وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "أُريت جعفرًا ملكًا يطير بجناحيه في الجنة".


وعن البراء بن عازب قال: لما أتي رسول الله قتل جعفر، داخله من ذلك، فأتاه جبريل فقال: "إن الله تعالى جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة".


من أهل السفينة والهجرتين :

عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج النبي ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، في اثنين وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا

 فوافقنا النبي حين افتتح خيبر، وكان أناس من الناس يقولون لنا (يعني لأهل السفينة): سبقناكم بالهجرة.

 ودخلت أسماء بنت عميس -رضي الله عنهما- وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟

 قالت: أسماء بنت عميس.

 قال عمر: آلحبشية هذه؟!

آلبَحْرِيَّة هذه؟!

قالت أسماء: نعم.

قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله منكم
فغضبت وقالت: كلا والله
 كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البُعَداء البغضاء بالحبشة
 وذلك في الله وفي رسوله

 وايم الله لا أطعم طعامًا، ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله ، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي ، وأسأله -والله- لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه.

فلما جاء النبي قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا.
قال: "فما قلتِ له؟"
قالت: قلت له: كذا وكذا.
 قال: "ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان".
قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي .


وعن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن جده قال: وهاجر (أي: جعفر) إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ومعه امرأته أسماء بنت عميس، فلم يزل بأرض الحبشة حتى هاجر رسول الله إلى المدينة، ثم هاجر إليه وهو بخيبر، فقال رسول الله : "لا أدري بأيهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدوم جعفر".


شبيه رسول الله :
عن علي قال: قال رسول الله لجعفر: "أشبهت خُلُقي وخَلْقي".

بعض مواقف جعفر بن أبي طالب مع الرسول :عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: وجّه رسول الله جعفر بن أبي طالب إلى بلاد الحبشة، فلما قدم اعتنقه وقبَّل ما بين عينيه، ثم قال:
 "ألا أهب لك؟
ألا أبشرك؟
 ألا أمنحك؟
 ألا أتحفك؟"
قال: نعم يا رسول الله.
 قال: "تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة، ثم تقول بعد القراءة وأنت قائم قبل الركوع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولهن عشرًا، تمام هذه الركعة قبل أن تبتدئ بالركعة الثانية، تفعل في الثلاث ركعات كما وصفت لك حتى تتم أربع ركعات".

وعن ابن بريدة، عن أبيه قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة لقيه النبي
 فقال: "أخبرني بأعجب شيء رأيته بأرض الحبشة".
قال: مرت امرأة على رأسها مكتل فيه طعام، فمر بها رجل على فرس فأصابها فرمى به، فجعلت أنظر إليها وهي تعيده في مكتلها

 وهي تقول: ويل لك يوم يضع الملك كرسيه، فيأخذ للمظلوم من الظالم. 

فضحك النبي حتى بدت نواجذه
 فقال: "كيف تُقدس أمة لا تأخذ لضعيفها من شديدها حقه وهو غير متعتع".

بعض مواقف جعفر بن أبي طالب مع الصحابة :
مع أخيه عليّ وزيد :



قال رسول الله يوم خرج من مكة عام عمرة القضاء وتبعتهم ابنة حمزة -رضي الله عنها- تنادي: يا عم، يا عم. فأخذها علي وقال لفاطمة رضي الله عنها: دونك ابنة عمك.
فاحتملتها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر رضي الله عنهما في أيهم يكفلها، فكل أدلى بحجة

 فقال علي : أنا أحق بها، وهي ابنة عمي.

وقال زيد: ابنة أخي.

 وقال جعفر بن أبي طالب : ابنة عمي وخالتها تحتي.
 يعني أسماء بنت عميس، فقضى بها النبي لخالتها

وقال: "الخالة بمنزلة الأم".
وقال لعلي : "أنت مني وأنا منك". وقال لجعفر : "أشبهت خُلُقي وخَلْقي". وقال لزيد : "أنت أخونا ومولانا".


بعض مواقف جعفر بن أبي طالب مع التابعين :
مع النجاشي :



حينما هاجر المسلمون إلى الحبشة وعلم كفار مكة بذلك، قاموا على الفور بإرسال وفد قرشيٍّ إلى الحبشة، محمَّلاً بالهدايا إلى النجاشي ليردَّ لهم المسلمين، وأخبر الوفد القرشي النجاشي أن هؤلاء المسلمين غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدينٍ مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم. 

ولكن النجاشي الملك العادل أراد أن يسمع الطرف الآخر (المسلمين)؛ كي يحكم بينهم، فأرسل إليهم فحضروا، وكان المتحدث عن المسلمين جعفر بن أبي طالب ، فدار هذا الحوار:

النجاشي: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟

 جعفـر: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه

 فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث

 فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا؛ خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألاَّ نظلم عندك أيها الملك.

النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟

جعفـر: نعم.
وقرأ عليه صدرًا من كهيعص (سورة مريم).

فبكى النجاشي حتى أَخْضَلَ لحيته وبكت أساقفته حين سمعوا ما تلا عليهم.

 ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا، ولا أكاد.


وأسلم النجاشي سرًّا؛ خوفًا على نفسه، وحفاظًا على ملكه، وعلى المسلمين من التقتيل والترويع والإخراج.


أثر جعفر بن أبي طالب في الآخرين :

هاجر إلى الحبشة فأسلم النجاشي وعدد من أهلها على يديه، وكان له في الحبشة موقف متميز، دافع فيه عن الإسلام دفاعًا مؤثرًا أمام النجاشي، عندما جاء عمرو بن العاص على رأس وفد من قريش يطلب إخراج المسلمين منها، فاقتنع النجاشي عند ذلك بالإسلام، ورفض طلب القرشيين، وأعلن إسلامه وحمى المسلمين في بلاده.


بعض كلمات جعفر بن أبي طالب :عن ابن إسحاق في قصة جعفر بن أبي طالب أنه قاتل يوم مؤتة وهو يقول:


يـا حبذا الجنـة واقترابـهـا *** طيـبة وبـارد شـرابـهـا


والروم روم قد دنـا عذابـها *** عليَّ إذ لاقيتـهـا ضـرابهـا


استشهاد جعفر بن أبي طالب :

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أمَّر رسول الله في غزوة مؤتة زيد بن حارثة ، فقال رسول الله : "إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة".
قال عبد الله : كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعًا وتسعين من طعنة ورمية.


وعن أنس أن النبي نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم".


وذكر عن عبد الله بن جعفر أنه قال: أنا أحفظ حين دخل رسول الله على أمي، فنعى لها أبي، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي وعيناه تهريقان الدموع حتى تقطر لحيته، ثم قال: "اللهم إن جعفرًا قدم إلى أحسن الثواب، فاخلفه في ذريته أحسن ما خلفت أحدًا من عبادك الصالحين في ذريته".



وقال حسان بن ثابت يرثي جعفرًا :

وكنا نرى في جعفـر من محمـد *** وفاء وأمرًا صارمًا حيث يؤمر

فلا زال في الإسلام من آل هاشم *** دعائم عز لا تـزول ومفخـر

المشاركات الشائعة