وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

     .. سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". **** وعن أبي هريرة و أبي سعيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر *** قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ لخمس ما أثقلَهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفَّى للمرء المسلم فيحتسبه ***

ad

الخميس

الاستغفار

بيان أن الاستغفار وذكْر الله تعالى سببٌ لنزول الرحمة وإجابة الدعاء عند الاستسقاء وأن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قلبُ الرداء عند صلاة الاستسقاء من أجل أن يحوّل الله - عزَّ وجل - الحال إلى أحسن حال


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدُ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، بعَثَه الله تعالى على حين فترة من الرسل وانطماس من السُّبل، فهدى به من الضلالة، وبصّر به من العمى، وأرشد به من الغي، وأكمل الله به الدين، وأتَمّ به النعمة على المؤمنين، وما فارق الدنيا حتى ترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، تحملها عنه خير القرون والخلفاء الراشدون، فبلّغوها إلى التابعين لهم بإحسان، وتلقّتها الأئمة - أئمة المسلمين - من ذلك العهد وإلى عهدنا هذا وإلى أن يأذن الله بخراب العالَم، لا تزال طائفة من أمة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الحق ظاهرين، لا يضرّهم من خذلهم ولا مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أيها الناس، اعبدوا الله تعالى، ما لكم من إله غيره، هو أنشأكم من الأرض واستخلفكم فيها فناظرٌ كيف تعملون، قسّم الله تعالى عباده إلى قسمين بحكمته وبرحمته، ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [التغابن: 2]، مَنَّ الله على المؤمنين فوفَّقهم وهداهم، فبيَّن لهم الحق فاتبعوه وعملوا به، واهتدوا به، وهدوا به، وهُدوا له، وهذا من فضل الله عليهم، ونحن - وللهِ الحمد - في هذه البلاد من خير الأمم الموجودة على أرض البسيطة في هذا الزمان ولكنّنا في تقصير شديد فيما أوجب الله علينا، في تقصير بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إن بعض الناس يرى في أهله المنكر لا يحرّك ساكنًا ولا يقول كلمة وهم أهله الذين له السيطرة عليهم والذين استرعاه الله عليهم، وهو مسؤول عنهم يوم القيامة، إننا نسمع أن بعض الناس يخرج إلى الصلاة وأولاده نائمون في فرشهم أو منهمكون في لعبهم ولكنه لا يهتم بهذا، ولو أنه ضاع له درهم من الدنيا أو دينار لَذَهب فكْره وذهب عقله وأتعب جسمه حتى يحصّل ذلك الدرهم أو الدينار، تبًّا لقوم هذه حالهم، واللهِ إن المؤمن ليرى أن أعظم مال وأربح تجارة هو ما ذكره الله في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الصف: 10-11]، هذه واللهِ هي التجارة الرابحة، أما مَن ألْهَته أمواله وأولاده عن ذكر الله وعن القيام بِما أوجب الله فإن الله قال فيه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون: 9] .
أيها المؤمنون بالله ورسوله، كلٌّ يعلم أن مصير الدنيا إلى الزوال مهما طال بالإنسان الأمد، فإما كِبرٌ وهرم وزوال إحساس وشعور، وإما موت قبل ذلك - موت مفاجئ - أو موت له مقدّمات، كل هذا أمر كائن، كل هذا أمر مشاهَد، وكل هذا أمر مسموع به، فما بالنا - أيها المسلمون - على هذه الغفلة ؟
نسأل الله أن يوقظ قلوبنا وأن يُعيننا على ما كلّفنا به، وأن يَمُنَّ علينا بالتوفيق كما مَنَّ علينا بهداية العلم .
أيها المسلمون، إنكم تخرجون اليوم إلى هذا المكان ترجون رحمة الله - عزَّ وجل - وتخافون عذابه، تسألون الله تعالى أن ينزّل على بلادكم الغيث ولكن هناك غيث أهم وهو: غيث القلوب بالعلم والإيمان؛ إن القلوب إذا امتلأت علْمًا بالله وبأحكام الله وامتلأت خشية لله ومحبّة وتعظيمًا له فهذا واللهِ هو الغيث وهذا هو الغيث الذي يتبعه غيث البلاد لقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96] .
أيها المسلمون، إن ما يصيب الناس من قحط وجدب وغلاء وخوفٍ وقلق فكْري وتعب نفسي إنما هو بسبيل الأعمال ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30]، فأعدّوا لهذا السؤال الذي تقدمونه الآن، أعدّوا توبة واستغفارًا من ذنوبكم ورجوعًا إلى ربكم، وأحسنوا الظن بالله ولا تيأسوا ولا تستحسروا ولا تستبطؤوا الإجابة؛ فإن استبطاء الإجابة من موانع القبول ولكنْ ادعوا الله - عزَّ وجل - كما أمركم؛ فإن الدعاء سبب وإذا تمَّت الشروط وانتفت الموانع فالإجابة محقّقه لقول الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60] .
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «دخل رجل والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلَكت الأموال وانقطعت السبل فادعُ الله يغيثنا، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه وقال: «اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا» رفع يديه إلى ربه ورفع الناس أيديهم معه، قال أنس بن مالك: وواللهِ ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة - أي: ولا قطعة من سحاب - وما بيننا وبين سلْع من بيت ولا دار - وسلْع: جبل في المدينة تأتي من جهته السحاب - قال: فخرجتْ من ورائه سحابة مثل الترس فارتفعت في السماء وانتشرت ورعدت وبرقت ونزل المطر، فما نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته».
هكذا - أيها المسلمون - قدرة الرب الجبّار، وهكذا آية للرسول - صلى الله عليه وسلم - النبي المختار، لم ينزل من منبره حتى تحادر المطر من لحيته، وبقي المطر أسبوعًا كاملاً والسماء تمطر ثم دخل رجل آخر من الجمعة الثانية أو الرجل الأول فقال: يا رسول الله، غرق المال وتهدّم البناء فادعُ الله يمسكها عنَّا، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه وقال: «اللهم حوالينا ولا علينا» ويشير إلى كل ناحية، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت، وخرج الناس يمشون في الشمس وبقي المطر ينزل حول المدينة، وسال الوادي المعروف في المدينة بقناة، سال شهرًا كاملاً .
أيها المسلمون، إن القادر على مثل هذا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو قادر على أن يكون في مثل هذا العهد ولكنّ الذنوب كثيرة والمظالم كثيرة، حقدٌ وحسد وكذب وغش، فنسأل الله السلامة من كل ذنب .
أيها المسلمون، ارفعوا قلوبكم وأيديكم إلى الله - عزَّ وجل - في طلب الدعاء اقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم .
اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، غدقًا مُجللاً، عامًّا طبقًا دائمًا نافعًا غير ضار، اللهم أسْقنا غيثًا تحيي به البلاد، وترحم به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد، اللهم مغيث القلوب أغِثْ قلوبنا بالعلم والإيمان، اللهم أغِثْ قلوبنا بالعلم والإيمان، اللهم إنا فقراء إليك في جميع أحوالنا وأنت الغني عنَّا، اللهم فإنا نسألك بفقرنا وغناك، نسألك اللهم أن تهبَ لنا من لدنك رحمة، وأن تصلح قلوبنا، وتصلح أعمالنا، وتصلح شعوبنا، وتصلح ولاتنا يا رب العالمين .
اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أغِثْنا، اللهم أسْقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أسْقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أسْقنا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا عذاب ولا هدم ولا غرق، اللهم أسْقنا غيثًا تحيي به البلاد، وترحم به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد .
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا واجعل ذلك قوة لنا على طاعتك يا رب العالمين .
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيد .
اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيد .
اللهم تقبَّل منَّا إنك أنت السميع العليم، اللهم تقبَّل منَّا إنك أنت السميع العليم، اللهم تقبَّل منَّا إنك أنت السميع العليم .
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
واعلموا - أيها الإخوة - أن من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقلبُ رداءه في صلاة الاستسقاء؛ وذلك من أجل أن يتحوَّل القحط إلى ربيع ومن أجل أن يكون إشعارًا بأن الإنسان سوف يقلبُ حاله من السوء إلى الصلاح، فاقتدوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .
واتركوا العباءة على ما هي عليه حتى تنزعوها إذا رجعتم إلى بيوتكم .
أيها الإخوة، إنني أنَبِّه إلى مسألتين هامتين، المسألة الأولى: التقصير في الوظائف عند كثير من الموظّفين، والتقصير فيها يدور على أمرين:
الأمر الأول: التأخر في الحضور أو التقدم في الخروج وهذا بخس من الوقت لا يحل لموظف أن يتأخر عن وقت الحضور ولا أن يتعجّل قبل وقت الخروج؛ وذلك لأن الوظيفة على زمن وليست على عمل بخلاف مَن كانت وظيفته ميدانية يُرجع في توقيتها إليه فهذا له شأن آخر .
أما الأمر الثاني: فإن بعض الموظّفين يحضر من أول الحضور إلى آخر الحضور ولكنه يتلهّى عن العمل إما بشؤونه الخاصة من بيع وشراء وغير ذلك، وإما بمطالعة صحف ومجلات، وإما بتَلَهٍّ عن المراجعين وهذا تقصير في العمل، واعلم أن ما تأخذه من الراتب من بيت المال فإنما هو في مقابلة العمل، إن قمت بالعمل كما ينبغي صار هذا الذي تأخذه حلالاً وإلا صار ما ينقص من العمل حرامًا عليك؛ أي: ما يقابل النقص يكون حرامًا عليك؛ لأنك أخذته بغير حق وأكلُ الحرام ليس بالأمر الهين، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: «الرجل يُطيل السفر يَمُدّ يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام وغُذِّي بالحرام فأنَّى يُستجاب لذلك» قال العلماء: إن أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء حتى وإن وجِدت أسباب الإجابة كرفع اليدين والسفر والشعث والغبر والدعاء بالربوبية، حتى لو وجدت هذه الأسباب العظيمة فإنه إذا كان يأكل الحرام يبعُد أن يستجيب الله له .
أما الشيء الثاني الذي أريد أن أنبِّهَ عليه فهو مع الأسف الشديد: انهماك الناس بل انهماك كثير من الناس في طلب الدنيا، لا يبالون إذا حصلوا عليها بحرام أو حلال: بربا أو تحيّل على الربا أو غش أو كذب أو خيانة، كل ذلك سهل عند كثير من الناس إذا حصّل من وراء ذلك درهمًا واحدًا، ألَم يعلم أن الدراهم التي تكون من كسب حرام ليس فيها بركة ؟ قال النبي - عليه الصلاة والسلام - فيمَن كسب كسبًا خبيثًا: «إن تصدَّق به لم يُقبل منه وإن أنفقه لم يبارك له فيه وإن خلّفه كان زادًا له إلى النار» .
يوجد كثير من الناس الآن يكذبون على الدولة في تلقي القمح للصوامع فيشتري اسمًا كذبًا ويبيع به على الصوامع؛ أي: أن بعض المزارعين ليس له اسم فيشتري اسم شخص آخر لأجل أن يتوصل به إلى إدخال قمحه على الصوامع مع أنه لم يمنح اسمًا بذلك، وهذا كذب على الدولة وأكلٌ للمال بالباطل؛ ولذلك تعثَّر وتعثّرت أمور كثير من المزارعين في هذه السنة وربما في السنة التي قبلها حتى حدَّثني بعضُهم أن عنده قمحًا من سنة اثنتي عشرة أو إحدى عشرة، كل ذلك بسبب الظلم، بسبب الكذب، كل شيء ينتج عن الكذب لا خير فيه، لو أننا اتّقينا الله - عزَّ وجل - وقلنا بالصدق لكان ذلك خيرًا .
وإني أذكر لكم قصة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتاب [السياسة الشرعية ] وقال إنها قصة مشهورة: كان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - خليفة المسلمين من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وكان خليفة ليس معه أحد، خلافة تامة، فمُرض مرض الموت فدخل عليه أبناؤه وكانوا سبعة عشر ابنًا، أكبرهم لم يبلغ الحلم؛ كلّهم صغار، فلمّا دخلوا عليه بكى وهو في مرض الموت وأولاده صبيان صغارٌ وهو في مرض الموت فبكى ثم قال لهم: أمَا إني لا يمكن أن أعطيكم شيئًا من بيت مال المسلمين إلا ما كان حقًّا لكم، وأنتم بين رَجُلين: رجل صالح فالله تعالى يقول: ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [الأعراف: 196]، وتولي الله لكم خيرٌ من ولايتي لكم، وإما رجل غير صالح فلا أدّخرُ له من المال ما يستعين به على المعصية .
انظروا لهذا الكلام من هذا الخليفة الذي عدَّه كثير من العلماء من الخليفة الراشد الخامس، ثم توفي، قال بعض الناس: ولقد رأيت أحد أبنائه حمل على مائة بعير في سبيل الله؛ يعني: أن الأولاد تولاهم الله وأغناهم الله حتى حصلوا على خير كثير وذلك بسبب صدْقه وأمانته، وانظروا قبل هذا إلى قصه كعب بن مالك - رضي الله عنه - وصاحبيه لَمّا تخلّفوا عن غزوة تبوك ورجع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إلى المدينة وجاءه المعذّرون يتعذّرون إليه ويحلفون له فيأخذ بظواهرهم ويكل بواطنهم إلى الله، قال الله تعالى في هؤلاء: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ﴾ ﴿إِنَّهُمْ رِجْسٌ﴾ نجس ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 95-96]، وماذا قال في كعب وصاحبيه الذين صدقوا الله رسوله ؟ قال فيهم في التوبة: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: 118]، ثم أمر المؤمنين عمومًا أن يسلكوا مسلك هؤلاء فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119] .
أيها الإخوة المؤمنون، اصدقوا الله بالإخلاص له، واصدقوا رسول الله بمتابعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واصدقوا عباد الله بالمعاملة المبنية على الصدق والبيان، واعلموا أن الرزق ظل كظل الإنسان لا يمكن أن يفارقه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها» عليكم بالصدق، وأجملوا في الطلب، عليكم بالصدق أيها الإخوة، اصدقوا في المقال، اصدقوا في الفعال، اصدقوا في كل أحوالكم؛ فإن الله - سبحانه وتعالى  - يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119] .
وفَّقني الله وإياكم إلى الصدق في العقيدة، وإلى الصدق في القول، وإلى الصدق في العمل، وتوفانا جميعًا على الإخلاص والتوحيد، وحشرنا جميعًا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .

المشاركات الشائعة