وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

     .. سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". **** وعن أبي هريرة و أبي سعيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر *** قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ لخمس ما أثقلَهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفَّى للمرء المسلم فيحتسبه ***

ad

الأحد

أسيد بن حضير بن عبد الأشهل الأنصاري -رضي الله عنه - صاحب الصوت الجميل


اسمه وكنيته:
أسيد بن حضيرهو أسيد بن حضير بن سماك الأنصاري الأشهلي، يكنى أبا يحيى وأبا عتيك، وكان أبوه حضير فارس الأوس ورئيسهم يوم بُعاث 
وواحد من كبار أشراف العرب في الجاهلية.


حال أسيد بن حضير في الجاهلية:
كان يكتب بالعربية ويحسن السباحة والرمي، وكانوا في الجاهلية يسمون من كانت فيه هذه الخصال بالكامل.




إسلام أسيد بن حضير:
يُعدّ أسيد من السابقين إلى الإسلام، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، وكان إسلامه على يد مصعب بن عمير قبل سعد بن معاذ .

وكان أسيد أحد النقباء الذين اختارهم الرسول ( ليلة العقبة الثانية، فقد أسلم أسيد بعد بيعة العقبة الأولى، عندما بعث النبي ( مصعب بن عمير إلى المدينة، فجلس هو وأسعد بن زرارة في بستان، وحولهما أناس يستمعون إليهما، وبينما هم كذلك، كان أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ زعيما قومهما يتشاوران في أمر مصعب بن عمير الذي جاء يدعو إلى دين جديد.

فقال سعد لأسيد: انطلق إلى هذا الرجل، فازجره، فحمل أسيد حربته وذهب إليهما غضبان، وقال لهما: ما جاء بكما إلى حيِّنا (مدينتنا)، تسفهان ضعفاءنا)؟ اعتزلانا، إذا كنتما تريدان الحياة. فقال له مصعب: أَوَ تَجْلِس فتسمع، فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره؟ فقال أسيد: لقد أنصفت، هاتِ ما عندك. فأخذ مصعب يكلمه عن الإسلام ورحمته وعدله، وراح يقرأ عليه آيات من القرآن، فأشرق وجه أسيد بالنور، وظهرت عليه بشاشة الإسلام حتى قال من حضروا هذا المجلس: والله (لقد عرفنا في وجه أسيد الإسلام قبل أن يتكلم، عرفناه في إشراقه وتسهله.

ولم يكد مصعب ينتهي من حديثه حتى صاح أسيد قائلاً: ما أحسن هذا الكلام وأجمله، كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين؟ فقال له مصعب: تطهّر بدنك وثوبك، وتشهد شهادة الحق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم تصلي.

فقام أسيد مسرعًا فاغتسل وتطهر ثم صلى ركعتين معلنًا إسلامه. وعاد أسيد إلى سعد بن معاذ، وما كاد يقترب من مجلسه، حتى قال سعد لمن حوله: أقسم، لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به، ثم قال له سعد: ماذا فعلت؟ فقال أسيد: كلمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأسًا، وقد نهيتهما، فقالا لي: نفعل ما أحببت، ثم قال أسيد لسعد بن معاذ: لقد سمعت أن بني حارثة

 قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وهم يعلمون أنه ابن خالتك، فقام سعد غضبان وفي يده حربته، ولما وصل إلى مصعب وأسعد وجدهما جالسين مطمئنين، عندها أدرك أن هذه حيلة من أسيد لكي يحمله على السعي إلى مصعب لسماعه، واستمع سعد لكلام مصعب واقتنع به وأعلن إسلامه، ثم أخذ حربته، وذهب مع أسيد بن حضير إلى قومهما يدعوانهم للإسلام، فأسلموا جميعًا.


قصة إسلام أسيد بن حضير:
لما انصرف الأنصار من البيعة مع رسول بعث معهم رسول الله مصعب بن عمير ، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين، وكان مصعب يُسمَّى بالمدينة المقرئ، وكان منزله على أسعد بن زرارة ، ثم إن أسعد بن زرارة خرج بمصعب فدخل به حائطًا من حوائط بني ظفر، فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممن أسلم، فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: انطلق إلى هذيْن الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما؛ فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي، ولولا ذاك لكفيتكه.


وكان سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيدي قومهما من بني عبد الأشهل، وهما مشركان، فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إلى مصعب وأسعد وهما جالسان في الحائط، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب : هذا سيِّد قومه، قد جاءك فاصدق الله فيه. قال مصعب : إنْ يجلس أكلمه.

قال: فوقف عليهما متشتمًا
 فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟!
اعتزلانا إن كانت لكما في أنفسكما حاجة.
فقال له مصعب : أوَ تجلس فتسمع؟
فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كُفَّ عنك ما تكره.
قال: أنصفت
ثم رَكَز حربته وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن
 فقالا: والله لقد عرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهله
ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟

قالا له: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي.

فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين.

واختُلف في شهوده بدرًا، وكان ممن ثبت يوم أُحد، وجرح حينئذ سبع جراحات. كان شريفًا كاملاً، وقد آخى رسول الله بينه وبين زيد بن حارثة .

من ملامح شخصية أسيد بن حضير:

ولعه بالقرآن:


عن أبي سعيد الخدري وابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أسيد بن حضير أن النبي قال له: "اقرأ يا أسيد، فقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود".

شعوره بالمسلمين وعطفه وحرصه عليهم:
عن أنس قال: جاء أسيد بن حضير إلى النبي وقد كان قسم طعامًا، فذكر له أهل بيت من الأنصار من بني ظفر فيهم حاجة، وجُلّ أهل ذلك البيت نسوة

 فقال له النبي: "تركتنا يا أسيد حتى ذهب ما في أيدينا، فإذا سمعت بشيء قد جاءنا فاذكر لي أهل ذلك البيت". فجاءه بعد ذلك طعام من خيبر شعير أو تمر، فقسّم رسول الله في الناس وقسم في الأنصار فأجزل، وقسم في أهل البيت فأجزل.

 فقال أسيد بن حضير متشكرًا: "جزاك الله أي نبي الله أطيب الجزاء".

 فقال النبي : "وأنتم معشر الأنصار، فجزاكم الله أطيب الجزاء؛ فإنكم ما علمت أعفة صُبُر، وسترون بعدي أثرة في الأمر والقسم، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".


مواقف من حياة أسيد بن حضير مع الرسول:

موقفه في غزوة بدر:


عن عبد الله بن أبي سفيان قال: ولقيه أسيد بن حضير
فقال: يا رسول الله، الحمد لله الذي ظفرك، وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوًّا، ولكني ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت. فقال رسول الله : "صدقت".


وقد استقبل أسيد النبي ( لما هاجر إلى المدينة خير استقبال، وظل أسيد يدافع عن الإسلام والمسلمين، فحينما قال عبد الله بن أبي بن سلول لمن حوله من المنافقين أثناء غزوة بني المصطلق: لقد أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير دياركم، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه منها إن شاء الله، هو والله الذليل، وأنت العزيز يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز (حبات يطرز بها التاج) ليتوجوه على المدينة ملكًا، فهو يرى أن الإسلام قد سلبه ملكًا.

وذات ليلة أخذ يقرأ القرآن، وفرسه مربوطة بجواره، فهاجت الفرس حتى كادت تقطع الحبل، وعلا صهيلها، فسكت عن القراءة فهدأت الفرس ولم تتحرك، فقرأ مرة ثانية فحدث للفرس ما حدث لها في المرة الأولى، وتكرر هذا المشهد عدة مرات، فسكت خوفًا منها على ابنه الصغير الذي كان ينام في مكان قريب منها، ثم نظر إلى السماء فإذا به يرى غمامة مثل الظلة في وسطها مصابيح مضيئة، وهى ترتفع إلى السماء.

فلما أصبح ذهب إلى الرسول ( وحدثه بما رأى، فقال له النبي (: (تلك الملائكة دنت (اقتربت) لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم) [البخاري].

وعاش أسيد -رضي الله عنه- عابدًا قانتًا، باذلا روحه وماله في سبيل الله، وندم أسيد على تخلفه عن غزوة بدر، وقال: ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه غزو ما تخلفت. [ابن سعد]، وقد جرح أسيد يوم أحد سبع جراحات، ولم يتخلف عن غزوة بعدها قط.

وبعد وفاة النبي ( اجتمع فريق من الأنصار في سقيفة بني ساعدة على رأسهم سعد بن عبادة، وأعلنوا أحقيتهم بالخلافة، وطال الحوار، واشتد النقاش بينهم، فوقف أسيد بن حضير مخاطبًا الأنصار قائلاً: تعلمون أن رسول الله ( كان من المهاجرين، فخليفته إذن ينبغي أن يكون من المهاجرين، ولقد كنا أنصار رسول الله، وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته.

مزاحه مع النبي:
عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يحدّث القوم وكان فيه مزاح، بَيْنَا يضحكهم، فطعنه النبي في خاصرته بعود
فقال: أَصْبِرْنِي (أَقِدْني من نفسك).
فقال: "اِصْطَبِرْ" (اسْتَقِدْ).
قال: إن عليك قميصًا وليس عليَّ قميص.
فرفع النبي عن قميصه، فاحتضنه وجعل يقبّل كشحه (الكشح هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي)
 قال: "إنما أردت هذا يا رسول الله".


مواقف من حياته مع الصحابة:

موقفه مع قومه لما اشتكى من مرضه:


عن عبد الله بن هبيرة أن أسيد بن حضير كان يؤم بني عبد الأشهل وأنه اشتكى فخرج إليهم بعد شكواه
 فقالوا له: تقدم.
 قال: لا أستطيع أن أصلي.
 قالوا: لا يؤمنا أحد غيرك ما دمت.
 فقال: اجلسوا؛ فصلى بهم جلوسًا.


موقفه مع سيدنا عمر:
عن أسيد بن حضير قال: سمعت رسول الله يقول: "إنكم ستلقون بعدي أثرة".
فلما كان زمان عمر قسّم حُللاً فبعث إليَّ منها بحلة، فاستصغرتها فأعطيتها ابني، فبينا أنا أصلي إذ مر بي شاب من قريش عليه حلة من تلك الحلل يجرها، فذكرت
 قول رسول الله : "إنكم ستلقون أثرة بعدي".

فقلت: صدق رسول الله .
 فانطلق رجل إلى عمر فأخبره، فجاء وأنا أصلي

 فقال: صلِّ يا أسيد.
 فلما قضيت صلاتي قال: كيف قلت؟ فأخبرته

 قال: تلك حلة بعثت بها إلى فلان وهو بدريّ أحديّ عقبيّ، فأتاه هذا الفتى فابتاعها منه فلبسها، فظننت أن ذلك يكون في زماني. قلت: قد والله يا أمير المؤمنين ظننت أن ذلك لا يكون في زمانك.


موقفه مع آل أبي بكر:
عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي :
أنها قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون إلى المدينة، فأناخ رسول الله ونزل، فبينا رسول الله في حجري راقد أقبل أبي فلكزني لكزة

 ثم قال: حبست الناس!

 ثم إن رسول الله استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد، ونزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} [المائدة: 6]. قال أسيد بن حضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر! ما أنتم إلا بركة.


أثره في الآخرين:
في لحظات إسلامه الأولى أصبح داعية إلى الله تعالى؛ إذ بمجرد أن أسلم أسيد

 قال لسيدنا مصعب : إن ورائي رجلاً (أي سعد بن معاذ) إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن. فأرسله إليهما، فأسلم سعد بن معاذ ، ومن ثَمَّ أسلمت الأوس.


وممن روى أحاديث الرسول عن أسيد أمُّ المؤمنين السيدة عائشة، وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعكرمة بن خالد بن العاص رضي الله عنهم جميعًا.


بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول:
روى البخاري بسنده عن أسيد بن حضير أن رجلاً من الأنصار قال: يا رسول الله، ألا تستعملني كما استعملت فلانًا.
 قال: "ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".




مناقب أسيد بن حضير:
في سنن الترمذي عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله :
"نعم الرجل أبو بكر،
 نعم الرجل عمر،
 نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح،
 نعم الرجل أسيد بن حضير،
 نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس،
نعم الرجل معاذ بن جبل، 
نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح".


وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
 ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد منهم يلحق في الفضل، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر رضي الله عنهم جميعًا.




وفاة أسيد بن حضير:

وتوفي أسيد -رضي الله عنه- في عام (20 هـ)

 وأصرَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يحمل نعشه على كتفه
 ودفنه الصحابة بالبقيع بعد أن صلوا عليه

 ونظر عمر في وصيته، فوجد أن عليه أربعة آلاف دينار، فباع ثمار نخله (البلح أو التمر) أربع سنين بأربعة آلاف، وقضى دينه. [البخاري وابن سعد].

المشاركات الشائعة