وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

     .. سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". **** وعن أبي هريرة و أبي سعيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر *** قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ لخمس ما أثقلَهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفَّى للمرء المسلم فيحتسبه ***

ad

الأحد

عباد بن بشر -رضي الله عنه- صاحب العصا المضيئة

إنه عباد بن بشر -رضي الله عنه-، أحد الأنصار الذي أسلموا على يد
مصعب بن عمير -رضي الله عنه- قبل هجرة الرسول ( إلى المدينة، وشهد عباد مع الرسول ( الغزوات كلها وأبلى فيها بلاء حسنا، وهو من الذين قتلوا اليهودي كعب بن الأشرف الذي كان يؤذي النبي ( ويضايقه ويحرض قومه على أذاه، فخلصوا الإسلام من شروره.
وقالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن عباد: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً كلهم من بني عبد الأشهل؛ أسيد بن حضير وسعد بن معاذ
وعباد بن بشر. [ابن إسحاق والحاكم].
وكانت عصاه تضيء له إذا خرج من عند رسول الله ( إلى بيته ليلاً، ودعا له النبي ( قائلاً: (اللهم اغفر له) [البخاري].
وعرف عباد بشجاعته وفروسيته وقوته في الحرب، وقد أظهر مواقف بطولية كثيرة تدل على حبه للجهاد ورغبته في الشهادة في سبيل الله، ويحكى أنه بعد غزوة ذات الرقاع نزل رسول الله ( وصحابته في مكان يبيتون فيه، واختار الرسول ( نفرًا للحراسة ومنهم عمار بن ياسر وعباد بن بشر، وبينما هما يحرسان قال عباد لعمار: أي الليل تحب أن تحرس، أوله أم آخره؟
فقال عمار: بل آخره، فنام عمار، ووقف عباد يصلي بجواره، فجاء رجل من العدو فرأى عبادًا يصلي؛ فأخرج سهما ثم رمى به عبادا، فأصابه في جسده، فنزعه عباد، وظل واقفا يصلي فرماه الرجل بسهم ثان، فنزعه عباد -أيضًا-، وظل يصلي فرماه الرجل بسهم آخر فنزعه عباد، وواصل صلاته حتى أتمها، ثم أيقظ عمارا فهرب الرجل.
ونظر عمار إلى عباد فوجد دماءه تسيل، فقال له: سبحان الله: أفلا أيقظتني أول ما رماك؟ فقال عباد: كنت أقرأ سورة الكهف في صلاتي، فلم أحب أن أقطعها حتى أنتهي منها، فلما تابع عليَّ الرمي ركعت فآذنتك، وأيم الله لولا أن أضيع ثغرًا (أترك مكانًا) أمرني رسول الله ( بحفظه لآثرت الموت على أن أقطع تلك الآيات التي كنت أتلوها.
وظل عباد بن بشر -رضي الله عنه- يجاهد ويغزو في سبيل الله ونصرة دينه حتى جاءت معركة اليمامة في عهد أبى بكر الصديق -رضي الله عنه-، فخرج مع المسلمين لمحاربة المرتدين وقتال مسيلمة الكذاب ومن معه.
ويحكى أن عبادًا نام في الطريق بعض الوقت ثم استيقظ فرحًا مستبشرًا لأنه رأى في منامه رؤيا لم تلبث أن تحققت مع طلوع الشمس على أرض المعركة، وحكى عباد تلك الرؤيا لأبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، فقال له: لقد رأيت في منامي كأن السماء قد فرجت (فتحت) لي، ثم دخلت فيها ثم أطبقت عليّ، فهي إن شاء الله الشهادة، فقال له أبو سعيد: خيرًا والله رأيت.
وبدأت معركة اليمامة واشتد القتال، وكاد المسلمون أن ينهزموا فصاح عباد بأعلى صوته في الأنصار قائلاً: حطموا جفون السيوف (أي: كسروا أغمادها حتى لا تعود إليها مرة ثانية)، وتميزوا من الناس (أي: ابعدوا عن الناس حتى تظهر بطولتكم فيكون ذلك حافزًا على القتال)، وأخلصونا أخلصونا (أي أخلصوا في الحرب والقتال).
ثم انطلق أربعمائة رجل من الأنصار، وكان في مقدمتهم عباد بن بشر
والبراء بن مالك، وهجموا على باب الحديقة التي كان يختفي فيها مسيلمة وبعض أنصاره.
وتذكر عباد قول النبي (: الأنصار شعار، والناس دثار.[مسلم] (بمعنى أنهم بطانة النبي (، وخاصته دون سائر الناس)، فقاتل عباد بشجاعة حتى رزقه الله -عز وجل- الشهادة في تلك المعركة، وكان ذلك في العام الثاني عشر من الهجرة.
وقد وجد في جسده جراحات كثيرة حتى أن الصحابة لم يعرفوه، ولم يعرفه إلا صديقه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- بعلامة فيه كان يعرفها، وحينئذ كان عباد قد بلغ من العمر خمسًا وأربعين سنة، فرضى الله عنك ورحمك يا عباد.




عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل, الإمام أبو ربيع الأنصاري الأشهلي، أحد البدريين, كان من سادة الأوس.
عمره عند الإسلام وقصة إسلامه ومن الذي دعاه:
كان عباد بن بشر الأشهلي حين لاح في آفاق يثرب أول شعاع من أشعة الهداية المحمدية فتى موفور الشباب غض الإهاب, تعرف في وجهه نضرة العفاف والطهر وتلمح في تصرفاته رزانة الكهول, على الرغم من أنه لم يكن إذ ذاك قد جاوز الخامسة والعشرين من عمره.
وقد اجتمع إلى الداعية المكي الشاب مصعب بن عمير فسرعان ما ألفت بين قلبيهما أواصر الإيمان ووحدت بين نفسيهما كريم الشمائل ونبيل الخصائل وقد استمع إلى مصعب وهو يرتل القرآن بصوته الفضي الدافئ نبرته الشجية الآسرة, فشغف بكلام الله حبًّا وأفسح له في سويداء فؤاده مكانًا رحبًا وجعله شغله الشاغل فكان يردده في ليله ونهاره وحله وترحاله حتى عرف بين الصحابة بالإمام وصديق القرآن.
أسلم عباد قديماً بالمدينة على يد سفير الإسلام مصعب بن عمير وكان إسلامه قبل إسلام أسيد بن حضير وسعد بن معاذ رضي الله عنهما.
ملامح من شخصية عباد بن بشر:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: تهجد النبي  في بيتي, فسمع صوت عباد يصلي في المسجد, فقال: "يا عائشة، أصوت عباد هذا؟", قالت: نعم, قال: "اللهم ارحم عباد", وفي رواية: "اللهم اغفر له".
شهد عباد بن بشر مع الرسول  مشاهده كلها, وكان له في كل منها موقف يليق بحامل القرآن.
من ذلك أن الرسول  لما قفل عائدًا من غزوة "ذات الرقاع" نزل بالمسلمين في شعب من الشعاب ليقضوا ليلتهم فيه.
وكان أحد المسلمين قد سبى في أثناء الغزوة امرأة من نساء المشركين في غيبة زوجها, فلما حضر الزوج ولم يجد امرأته, أقسم باللات والعزى ليلحق بمحمد أصحابه, وألا يعود إلا إذا أراق منهم دمًا.
فما كاد المسلمون ينيخون رواحلهم في الشعب حتى قال لهم الرسول : "من يحرسنا في ليلتنا هذه؟".
فقام إليه عباد بن بشر وعمار بن ياسر وقالا: نحن يا رسول الله, وقد كان النبي آخى بينهما حين قدم المهاجرون على المدينة.
فلما خرجا إلى فم الشعب قال عباد بن بشر لأخيه عمار بن ياسر: أي شطري الليل تؤثر أن تنام فيه: أوله أم أخره؟ فقال عمار: بل أنام في أوله, ثم اضطجع غير بعيد عنه.
كان الليل ساجيًا هادئًا وادعًا, وكان النجم والشجر الحجر تسبح بحمد ربها وتقدس له فتاقت نفس عباد بن بشر إلى العبادة واشتاق قلبه إلى القرآن, وكان أحلى ما يحلو له القرآن إذا رتله مصليًا فيجمع متعة الصلاة إلى متعة التلاوة.
فتوجه إلى القبلة ودخل في الصلاة وطفق يقرأ من سورة الكهف بصوته الشجي الندي العذب.
وفيما هو سابح في هذا النور الإلهي الأسنى تمارق في لألاء ضيائه أقبل الرجل يحث الخطى، فلما رأى عباد من بعيد منتصبًا على فم الشعب عرف أن النبي  بداخله وأنه حارس القوم, فوتر قوسه وتناول سهمًا من كنانته رماه به فوضعه فيه.
فانتزعه عباد من جسده ومضى متدفقًا في تلاوته غارقًا في صلاته.
فرماه الرجل بآخر فوضعه فيه فانتزعه كما انتزع سابقه, فرماه بثالث فانتزعه كما انتزع سابقيه، وزحف حتى غدا قريبًا من صاحبه وأيقظه قائلاً:
انهض فقد أثخنتني الجراح. فلما رآهما الرجل ولى هاربًا.
والتفت عمار بن ياسر إلى عباد بن بشر فرأى الدماء تنزف غزيرة من جراحه الثلاثة, فقال له: سبحان الله هلا أيقظتني عند أول سهم رماك به؟!
فقال عباد: كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها حتى أفرغ منها, وايم الله لولا خوفي أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله  بحفظه لكان قطع نفسي أحب إلى من قطعها.
شجاعة عباد بن بشر وفدائيته:
وكان كبير العذر  أبلى يوم اليمامة بلاءً حسنًا وكان أحد الشجعان الموصوفين.
كان عباد بن بشر  من فضلاء الصحابة وكان سيدًا كبير القدر, أوجز الذهبي معالم وملامح الإقدام والسيادة في عباد, فقال: "كان أحد الشجعان الموصوفين", شهد عباد بدرًا وأحدًا والخندق والحديبية وتبوك وسائر المشاهد مع رسول الله .
وكان عباد بن بشر  موصوفاً بشدة البأس والشجاعة حتى قال عمر  لرسول الله في غزوة بني المصطلق: "مر عباد بن بشر فليضرب عنق المنافق عبد الله بن أبي بن سلول".
أما فدائية عباد فكانت شيئاً آخر عبقت به دنيا المغازي وأوردت شجاعته كتب التراجم والسير, ومن أعلام أعماله الفدائية أنه شارك في قتل كعب بن الأشرف اليهودي وكفى رسول الله  شر هذا الفاجر الأفاك.
وجاهد عباد يومئذ جموع المرتدين من بني حنيفة وكان له غناء ويلاء لم ير لأحد مثله.
يقال: أنه قتل يومئذ عشرين مشركًا.
شعوره بالمسئولية وتخصصه في الحراسة:
في غزوة الأحزاب تولى عباد حراسة قبة النبي r:
قال سعد: وكان عباد بن بشر على حرس قبة رسول الله  مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة, فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان في أصحابه يومًا ويغدو خالد بن الوليد يومًا ويغدو عمرو بن العاص يومًا ويغدو هبيرة بن أبي وهب يومًا ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يومًا.
ولله در القائل في حراسة عباد لقبة النبي :
من ينم عن لهـدم أو محدم *** فابــن بشــر ســاهــر لـــم ينـــم
يحس القبة ما فيها ســوى *** حارس الجيش أو حارس العلم
وفي غزوة تبوك جعل رسول الله  عباد بن بشر على حرسه وأوكل إليه هذه المهمة.
أثره في الآخرين (دعوته وتعليمه):
وقد رأى عباد من خلال المعارك التي لم يحقق المسلمون فيها نصرًا يذكر من تواكل الأنصار على المهاجرين وتواكل المهاجرين على الأنصار ما شحن صدره أسى وغيظًا وسمع من تنابزهم ما حشا سمعه جمراً وشوكاً, فأيقن أنه لا نجاح للمسلمين في هذه المعارك الطاحنة, إلا إذا تميز كل من الفريقين عن الآخر ليتحمل مسئوليته وحده وليعلم المجاهدون الصابرون حقًّا.
فلما طلع النهار واستؤنف القتال علا عباد بن بشر نشزًا (مكان مرتفع من الأرض) وجعل يصيح: "يا معشر الأنصار تميزوا من الناس, واحطموا جفون السيوف, ولا تتركوا الإسلام يؤتي من قبلكم".
وما زال يردد ذلك النداء حتى اجتمع عليه نحو أربعمائة منهم على رأسهم ثابت بن قيس والبراء بن مالك وأبو دجانة صاحب سيف رسول الله , ومضى عباد بن بشر بمن معه يشق الصفوف بسيفه ويلقى الحتوف بصدره حتى كسرت شوكة مسيلمة الكذاب ومن معه وألجئوا إلى حديقة الموت.
من كلمات بشر بن عباد:
قال بشر بن عباد الشعر في قتل كعب بن الأشرف:
صرخت له فلم يعرض لصوتي *** ووافي طالعًا من رأس جدر
فعــدت لـه فقــال مــن المنـادي *** فقلــت أخــوك عبـاد بن بشر
فـقـــال محمـــد أســـــرع إلينـــا *** فقـــد جئنــا لتشكــرنا تقــري
وتـرقـدنــا فقـــد جئنـــا سفايـــا *** بنصـف الوسق من حب وتمر
وهــــذي ورعنـــا رهنــــا فخذها *** لشهر أت وفي أو نصف شهر
فقـــال معــاشـــر سغبـوا وجاعوا *** وما عدموا العتي من غير فقر
فأقبـــل نحونـــا يهــوي سـريعـــاً *** وقـــــال لنــــا لقــد جئتم لأمر
وفــي أيماننـــا بيـــــض حــــــداد *** مــدربــــة بهـــا الكفــار تفري
فعانقــــــه ابــن مسلمــة المردي *** بــــه الكفـــــار كالليث الهزبر
وشـــــد بسيفـــه صلتــا عليــــــه *** فقطــــــره أبـــو عبس بن جبر
وصلــــت وصــاحبــــاي فكانـــا *** لما قتلناه الخبيث كذبح رعتر
وجــــاء بـــرأســه نفـــر كـــرام *** هـــــم ناهيـــــك مــن صدق بر
فكــــان الله مـــا دمنــــا فأبـــنا *** بأنعـــــم نعمـــــة وأعــــز نصر
وقال يناجي ربه:
عـذابـــه فيــك عــذب *** وبعـــده فيــك قرب
وأنت عنـدي كروحي *** بـل أنت منها أحب
حسبي من الحب أني *** لمــا تحــب أحـــب
وفاة بشر بن عباد:
في الليلة التي سبقت المعركة الحاسمة رأى عباد بن بشر فيما يراه النائم أن السماء انفرجت له، فلما دخل فيها ضمته إليها وأغلقت عليه بابها. فلما أصبح حدث أبا سعيد الخدري برؤياه وقال: الله إنها الشهادة يا أبا سعيد.
وهناك عند أسوار الحديقة سقط عباد بن بشر شهيدًا مضرجًا بدمائه وفيه ما فيه من ضربات السيوف وطعنات الرماح ووقع السهام حتى إنهم لم يعرفوه إلا بعلامة كانت في جسده.
ويشهد أبو سعيد الخدري لعباد بالشجاعة أيضًا يوم اليمامة وينقل لنا صوته يومئذ وهو يصيح بالأنصار: احطموا جفون السيوف, وتميزوا من الناس, وجعل يقول: أخلصونا أخلصونا، فأخلصوا أربعمائة رجل من الأنصار ما يخالطهم أحد, يقدمهم عباد بن بشر وأبو دجانة والبراء بن مالك رضي الله عنهم.
حتى انتهوا إلى باب الحديقة فقاتلوا أشد القتال، وقتل عباد بن بشر رحمه الله فرأيت بوجهه ضربًا كثيرًا، ما عرفته إلا بعلامة كانت في جسده.
كان من سادة الأوس، عاش خمسًا وأربعين سنة.
استشهد بشر بن عباد  يوم اليمامة.
مناقب بشر بن عباد وما قيل فيه:
عن يحيى بن عباد بن عبد الله عن أبيه، قال: قالت عائشة: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً كلهم من بني عبد الأشهل:
سعد بن معاذ, عباد بن بشر، وأسيد بن حضير
وعن أنس بن مالك  أن أسيد بن حضير وعباد بن بشر كانا عند رسول الله  في ليلة ظلماء، قال: فلما خرجا من عنده أضاءت عصا أحدهما, فكانا يمشيان في ضوئها, فلما تفرقا أضاءت عصا هذا وعصا هذا.








المشاركات الشائعة