وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

     .. سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". **** وعن أبي هريرة و أبي سعيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر *** قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ لخمس ما أثقلَهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفَّى للمرء المسلم فيحتسبه ***

ad

الأحد

القدس

فتح القدس



بعد أن انتصر المسلمون في اليرموك، أمر أبو عبيدة خالدًا أن يخرج في إثر الروم إلى أن وصل حمص، وأخذ أبو عبيدة جيشه إلى دمشق.
قسم أبو عبيدة رضي الله عنه منطقة الشام إلى مناطق أربعة، كالتالي:
الأولى: دمشق وما حولها بإمارة يزيد بن أبي سفيان.
الثانية: منطـقـة فلسطين بإمرة عمرو بن العاص.
الثالثة: منطـقـة الأردن بإمرة شُرَحْبِيل بن حسنة.
الرابعة: حمص وما حولها، بإمرته هو.
وأخذ خالد معه إلى قطاع حمص؛ لأن بقية شمال الشام لم يفتح بعد، بالإضافة إلى أنه كره أن يعطيه إمرة أحد قطاعات الشام فيغضب عمر لذلك (لأن عمر قرر عزله، حتى لا يفتن الناس به).
وكانت مهمة كل قائد في كل منطقة أن يطهر المنطقة من جنود الروم وأتباعهم، فبدأ كل أمير بتنفيذ تلك المهمة في قطاعه، وقضوا بقية رجب في ذلك..
عمر بن الخطاب يتسلم مفاتيح القـدس:
لما استسلم أهل (إيلياء / القدس) للمسلمين، اشترطوا عليهم أنهم لن يسلموا مفاتيح القدس إلا لرجل تنطبق عليه مواصفات خاصة، اختلف فيها في كتب التاريخ، وقيل إنها لم تكن من طلبات أهل القدس، ولكن ذكرت مواصفات جسمية لرجل معين، وأن اسمه يتكون من ثلاثة حروف، فوجد المسلمون أن هذه المواصفات لا تنطبق إلا على الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.
فجاء عمر رضي الله عنه، من المدينة المنورة ليتسلم مفاتيح القدس، واستخلف عليًّا رضي الله عنه على المسلمين في المدينة المنورة. (يرد في كتب التاريخ أنه استشار عثمان، وعليًّا، فأشار عليه عثمان بألا يذهب، وأشار عليه علي بأن يذهب، وأخذ برأي علي).
وهناك احتمال آخر، أن يكونوا قد أخذتهم العزة، ألا يسلموا تلك المدينة الحصينة، ذات القيمة العالية عندهم للجيش الإسلامي، فأحبوا أن يسلموها إلى أعلى قيادة في المسلمين، حتى يظل معلومًا أنها استعصت على جميع الجيوش الإسلامية، وبقيت حتى جاءها أمير المسلمين بنفسه، وتسلم مفاتيحها.
وهناك رأي (رواية ثالثة) تذكر أن أهل القدس لم يطلبوا مجيء عمر، ولكن أبا عبيدة لما رأى صعوبة فتحها أرسل إلى عمر، لكي يأتيه بمدد يعينهم.
في كل الأحوال، فإن الثابت تاريخيًّا أن عمر جاء من المدينة المنورة لفتح القدس بنفسه.
وكانت الهيئة التي جاء بها عمر رضي الله عنه مختلَفًا فيها أيضًا، هناك رواية مشهورة جدًّا نعلمها جميعًا، على الرغم من أنها رواية ضعيفة، لا توجد حتى في تاريخ ابن كثير، تذكر هذه الرواية، أنه جاء هو وغلامه على دابة وحده (وهو أمر مُستغرَب، لأن الدولة الإسلامية كانت غنية جدًّا آنذاك، بعد فتح الفرس، وانتصارات المسلمين المتوالية في الشام)، وكانا يتناوبان الركوب على الدابة، حتى وصلا إلى أرض الشام، واقتربا من الجيش الإسلامي، ورآهم الجيش، وبعض أهل القدس، فاعترضتهم مخاضة (أي وحل)، وكان دور عمر في المشي، ودور الغلام في الركوب، فأَصَرَّ عمر على أن يمشي، ويترك الغلام راكبًا دابته، ودخل هذه المخاضة بقدميه، خالعًا نعله.
لما رأى سخرنيوس بطريرك القدس ذلك التصرف، قال: "إن دولتكم باقية على الدهر، وقال: فدولة الظلم ساعة، ودولة العدل إلى قيام الساعة".
وهناك رواية أخرى تذكر أن أبا عبيدة بن الجراح لما رأى ذلك، ورآه يرتدي ملابس قديمة، فأسرع إليه، وقال له: يا عمر قد صنعت اليوم صنيعًا عظيمًا عند أهل الأرض، صنعت كذا، وكذا، (وقال له: إنك دخلت البلد بهذه الهيئة الرَّثَّة، ومشيت على الوحل) وأن هذا لا يليق بوالي المسلمين.
فضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صدره، وقال له: ولو كان غيرك قالها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تبتغون العزة في غيره، أذلكم الله!!.
إذ لا يؤمن عمر بهذه المظاهر، والوجاهة الفارغة التي يهتم بها الروم، وإنما العزة لله وللمسلمين.
وقد وردت هذه الرواية في كتاب لابن الجوزي، في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم توجد عند العديد من المؤرخين، حتى إن رواية ابن كثير المشابهة لهذه الرواية، يذكر فيها أن عمر جاء على ناقته، فاعترضته مخاضة، فنزل من ناقته حتى يعبر على قدمه، ثم عاد وركبها مرة أخرى، ولم يأتِ ذكر الغلام.
وهناك روايات أخرى (أعتقد أنها رواية الطبري في تاريخ الرسل والملوك)، تزعم أنه جاء رضي الله عنه، بجيش لنجدة المسلمين، وقالوا: إنه كان على مقدمة هذا الجيش العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وأن هذا الجيش ذهب مستعدًا لفتح القدس ومحاصرتها مع الجيش الإسلامي الموجود في الشام.
وبين هذين الرأيين أقوال كثيرة، وهناك من لم يتعرض لهيئة مجيء عمر أصلاً، ويذهبون إلى أن ذلك دلالة على أنه جاء في هيئة حسنة، لا تثير الاستغراب!
لم يدخل عمر إلى القدس مباشرة، وإنما ذهب إلى منطقة الجابية وكان المسلمون هناك مستعدين لاستقباله، مع أبي عبيدة بن الجراح، وخالد، ويزيد، فرحبوا به ترحيبًا عظيمًا، وهمَّ أبو عبيدة أن يقبل يدَ عمر بن الخطاب، فهَمَّ عمر أن يقبل قدم أبي عبيدة, (وردت في الطبري) فكفَّ أبو عبيدة، فكفَّ عمر.
وهو موقف يوضح لنا درجة التواضع التي كانوا عليها، رضوان الله عليهم أجمعين.
وقام في الجابية يخطب خطبة طويلة عصماء، جاء فيها:
"أيها الناسُ أصلحوا سرائركم تَصلُحْ علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تُكْفَوْا أَمْرَ دنياكم"، وقال فيها أيضا: "فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد"، وقال أيضا: "ولا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما".
نص العهدة العمرية:
حضر والي القدس بعد الأرطبون من القدس إلى الجابية (وكان يُدعَى: العَوَّام)، واتفقا على صلح القدس، وكتب عمر بن الخطاب (العهدة العمرية)، التي حفظها التاريخ، وأجمع عليها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا نصها:
"بِسْمِ اللهِ الرّحْمَنِ الرّحيمِ، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان -وإيلياء هي القدس- أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضَارّ أحدٌ منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود, (نعم أيها المسلمون، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود, كان هذا طلب أهل القدس أنفسهم؛ لأنهم كانوا يكرهون اليهود بشدة -وكان اليهود يذبحون أسرى النصارى عند الفرس- حتى إنه في رواية أخرى للمعاهدة (ولو مرَّ بها يهوديٌّ، لا يبيت فيها ليلة) لأنهم كانوا يعادون اليهود عداءً حقيقيًّا), وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرِجُوا منها الروم، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصُلُبَهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم، ومن أقام منهم فعليه مثل ما على أهل إيلياء، ومن شاء أن يسير مع الروم، سار مع الروم وهو آمن، ومن شاء أن يرجع إلى أهله، رجع إلى أهله، وهو آمن، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان وكُتِبَ وحُضِرَ سنة خمس عشرة".
وهكذا كان صلحًا في غاية التسامح مع أهل المدينة، وكل من يسكن معهم فيها.
وبذلك سُلِّمَتْ مفاتيحُ القدس لعمر بن الخطاب نفسه، وبدأت نفوس المسلمين في الجابية تشتاق إلى دخول الأرض المقدسة, ورؤية المسجد الأقصى، ورؤية مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعدَّ المسلمون، وتحركت الجيوش لدخول القدس فتحًا.
قطاع حمص:
خرج أبو عبيدة من حمص إلى حماة، ففتحها، ثم اتجه إلى حلب، وحاصرها بضعة أيام، ثم نزل أهل حلب على العهد، وصالحوه على الجزية، وفُتِحَتْ بذلك حلب صلحًا، ثم توجه بعد ذلك إلى المنطقة المهمة مدينة أنطاكية، وهي مهمة؛ لأن هرقل اتخذها مقرًّا له في الشام، وذلك حتى يكون قريبًا من جيشه، وبعيدًا عن أراضي المعارك، (وهي مدينة من الشام، أخذها الاستعمار وأعطاها لتركيا).
وكان هرقل قد فكر في الفرار بعد هزيمة الروم في اليرموك، وعلمه أن المسلمين يتجهون لحمص، ويستعدون لفتح شمال الشام.
إلا أن الروايات اختلفت فيما فعله، البعض يذهب إلى أنه توجه إلى منطقة الرها شمالي الجزيرة (بين الفرات ودجلة)، حينما عرض نصارى تلك المنطقة مساعدته، فلما توجه إلى هذه المنطقة، وعلم عمر بذلك، أرسل رسالة إلى سعد بن أبي وقاص في القادسية، وأمره بأن يرسل من جيشه من يحاربه، فأرسل سعد عمر بن مالك رضي الله عنه، ففتح عمر مدينة هيف، وقرقسياء ووصل قرب هرقل، فهرب هرقل إلى القسطنطينية.!!
وهناك رواية أخرى تذهب إلى أنه ترك أنطاكية مباشرة، إلى القسطنطينية.
وكان هرقل يحب سوريا جدًّا، حتى إنه عندما كان يذهب للحج في بيت المقدس، كان يمر على سوريا في طريق عودته، وكان يقف على تلٍّ عالٍ هناك ويقول:
"عليكِ السلام يا سوريا، تسليم مودعٍ لم يقضِ منك وطرًا، وهو عائد!", أما هذه المرة فيقف على نفس هذه التلة، ويقول: "قد كنت سلمتُ عليكِ من قبل تسليم المسافر، أما اليوم فعليك السلام يا سوريا، تسليم المفارق، سلام مودع لا يرى أنه يرجع إليك أبدًا، لا يعود روميٌّ إليكِ أبدًا إلا خائفًا، عليك يا سوريا السلامُ ونعم البلدُ هذا للعدو"..
وهكذا يودع هرقل سوريا وداعًا نهائيًّا، وكان يود لو لم يحارب المسلمين، وسلَّم الشام كلها دون قتال، إلا أن وزراءه أبوا عليه إلا الحرب!!.
قبل أن يصل أبو عبيدة إلى أنطاكية، وعلى بعد نحو 5 أميال شرق أنطاكية، يلتقي بقوات رومية في منطقة مهروبة ويدور بينهما قتال سريع ينتصر فيه أبو عبيدة، وتتراجع القوات إلى حصون أنطاكية، وأنطاكية بها جبل يحيطها شرقًا، ومن الجهة الأخرى سورٌ عالٍ جدًّا، ولا شك أن هذا من أسباب جَعْلِ هرقل منها مقرًّا له، فيحاصر أبو عبيدة أنطاكية، ولا تصمد كثيرًا؛ فتستسلم، وتقبل الجزية..
بعد أن فتح أبو عبيدة أنطاكية، تصله معلومات أن هناك مجموعة من القوات الرومية تجمعت في منطقة مَعَرَّة نصرين شمال شرقي حلب، فأخذ جيشه من أنطاكية إلى معرة نصرين فيدور هناك قتال سريع، وتُفتح معرة نصرين في النهاية..
ثم ينتقل شمالاً إلى قورس ويفتحها صلحًا، وهي مدينة على الحدود السورية التركية، وبذلك يكون قد طَهَّرَ الشام كله من الروم، ولا يكتفي بذلك بل يأخذ جيوشه ويتجه شرقًا حتى يصل إلى منبج على نهر الفرات، فيفتحها صلحًا، ثم يتجه جنوبًا إلى مدينة بالس فيفتحها صلحًا.
وبذلك ينتهي عام 15هـ، وقد تطهر شمال وشرق الشام تمامًا من الجيوش الرومية..
في هذا الوقت تأتيه الأنباء أن عمرو بن العاص قد استعصى عليه فتح مدينة القدس، وكذلك يافا وقيسرية، ويكون في حمص بعض المدن التي لم تفتح بعد، فيُؤَمِّر أبو عبيدة بعضًا من قواده، ليتوجهوا إلى فتح بقية البلاد الحمصية، ويتجه هو إلى مدينة القدس.
تخرج قوة من حلب تفتح مدينة بوقة، وتخرج قوة أخرى تفتح مدينة خُنَاصِرَة، وثالثة تفتح مدينة سرمين، ثم يستخلف أبو عبيدة على مدينة حمص عُبَادة بن الصَّامِت رضي الله عنه (الذي قال عنه عمر: إنه رجلٌ بألف رجل), ويوصيه بثلاث مدن اللاذقية، وجبلة، وطرطوس، وكلها مدن ساحلية.
فيتجه عبادة إلى اللاذقية، ويحاصرها فتستعصي عليه، ويأتي أهلَها مددٌ، فيحتال عبادة رضي الله عنه لفتحها، فيَصُفَّ نصف جيشه صفوفًا أمام المدينة، ويجعل النصف الآخر مختبئًا خلفه، يحفر حفرًا عميقة، وخنادق طويلة، وأهل اللاذقية لا يعلمون عن ذلك شيئًا، ثم لما حفر تلك الحفر والخنادق، أخذ جيشه، في النهار، وتوجه باتجاه حمص، موهمًا أهل اللاذقية أنه ينسحب، ولما جَنَّ الليل عاد مرة أخرى..
فتح بيت المقدس:
بعد أن فتح عمرو بن العاص رفح، وانتهى من هذه المنطقة توجه بجيشه إلى القدس، وحاصرها، ومكث في حصارها مدة طويلة، وللقدس أهمية عظمى عند المسلمين كما نعلم؛ لأن فيها أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وهي مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أرض إسلامية يحرص المسلمون على استعادتها دائمًا.
بعد أن أعيت عمرو بن العاص رضي الله عنه كل الحيل، على الرغم من أنه داهية العرب الذي قال عنه عمر بن الخطاب: "لقد رمينا أرطبون الروم، بأرطبون العرب، فانظروا عَمَّ تنفرج"، فكر في أن يحتال للأمر، فقام بدخول القدس بنفسه، باعتباره رسولاً من رسل المسلمين إلى أرطبون حتى يفاوضه، وغرضه أن يدخل فيبحث عن نقطة ضعف تمكنه من اقتحام تلك المدينة الحصينة، فذهب بنفسه، وبمفرده لأرطبون، وتحدثا سويًّا حديثًا طويلاً لم يرد في كتب التاريخ! ولكن يبدو أنه كان فيه مباراة ذكاء قوية جدًّا، لدرجة أن أرطبون الروم قال بعد انتهاء المناقشة: "والله إن هذا لعمرو، أو الذي يأخذ عمرو برأيه"؛ لأنه يعرف عمرو بن العاص، ويسمع عن دهائه ومكره، أو الذي يستشيره عمرو، ففكر في قتله، وقال: إنه لن يصيب المسلمين مصيبة أعظم من هذه، فأمر أحدَهم سرًّا أن يقتله، وشعر عمرو بفطنته بذلك، (وهناك من روى أن أحد العرب أَسَرَّ له بأنه سيقتل)، ففكر, كيف يخرج من هذا المأزق؟ فقال لأرطبون: إنني واحد من عشرة أرسلنا عمر بن الخطاب، لنعاون هذا الوالي (يقصد عمرو بن العاص) فإن أردت أن أذهب، وأعود إليك بالعشرة فتسمع منهم ويسمعوا منك، فإن وافقوا على رأيك، كان هو الرأي، وإن رفضوا عرفت أمرك! ففكر أرطبون أن عشرة أفضل من واحد، فتركه يخرج، فخرج عمرو، وبمجرد خروجه كبر المسلمون تكبيرًا شديدًا، فتعجب الروم، وعلموا أنه (عمرو بن العاص)، وقال أرطبون: "خدعني الرجل، والله إنه لأدهى الخلق".
وحمد عمرو بن العاص الله على عودته، وقال: "واللهِ لا أعودُ لمثلها أبدًا"، إذ كان ذلك جرأة كبيرة منه، وكان بعد ذلك إذا أقسم قال: "والذي أنجاني من أرطبون"..
أرسل عمرو إلى أبي عبيدة، ينبئه بتعذر فتح القدس عليه، فجاءه أبو عبيدة من مدينة بالس حتى يحاصر معه مدينة القدس، ثم جاء شرحبيل بن حسنة، ثم خالد بن الوليد من قنسرين حتى يحاصر معهم القدس، وحاصروها حصارًا شديدًا لشهور طويلة.
ووجد أهل المدينة أن المسلمين مستمرون في الحصار، فلم يكن من أرطبون إلا أن هرب من القدس، وتوجه إلى مصر، ومكث هناك فترة طويلة، مع حامية الروم هناك، حتى جاءه بعد ذلك عمرو بن العاص في فتح مصر.
(هذا القائد المحنك على الرغم من ذكائه، وسعة حيلته، إلا أنه يخاف على نفسه، فإذا به ينجو بنفسه، ويترك قومه للهلكة!! وفي المقابل نجد قادة المسلمين يضحون بأنفسهم، حتى يبحث عن نقطة ضعف العدو، وخالد، الذي كان يجعل علامة بدء القتال أن يبدأ هو، وكانوا دائمًا في مقدمة الصفوف، ولم يكونوا ليتراجعوا في أحلك الظروف، ارجع لموقعة الجسر مثلاً (إذ كان آخر المسلمين انسحابًا هو قائدهم).
قطاع فلسطين:
توجه عمرو بن العاص رضي الله عنه من بيسان إلى مدينة سبطية شمال غرب نابلس، ( ويذكر أن فيها قبر سيدنا زكريا u)، ثم يتجه منها إلى نابلس، ثم جنوب غرب، يفتح مدينة اللد ومدينة عمواس، ثم توجه جنوبًا إلى بيت جبرين، مرورًا بأجنادين، ثم اتجه جنوبًا وفتح رفح، واتجه شمالاً مرة أخرى ففتح عسقلان على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ثم يافا، وقيل: إنها استعصت عليه!! ثم توجه إلى قيسرية فحاصرها فترة واستعصت عليه، ولم يستطع أن يفتحها.
وهكذا فإن في النصف الثاني من عام 15هـ استطاع عمرو بن العاص أن يفتح فلسطين كلها، باستثناء 3 مدن، هي (قيسيرية، ويافا، وأهمهم القدس, أولى القبلتين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم), استعصت تلك المدن على عمرو.
وكانت أسوار القدس عالية، وكانت حاميتها -على الرغم من صغر عددها- صابرة على القتال، وكان قائد الروم عليها رجلاً يُضْرَبُ به المثل في الدهاء والمكر، وهو أرطبون وهو ذائع الصيت، يعرفه العرب حتى قبل الفتوحات، وضربوا به المثل في المكر والحيلة والدهاء.
قطاع الأردن:
فتح شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه مدينة سيفيه ثم مدينة جرش، ثم اتجه شمالاً وفتح مدينة أفيق، ثم فتح منطقة الجولان شمال شرق بحيرة طبرية، (هذه المدن التي كانت أرضًا للجهاد، ثم ها هي مدينة جرش اليوم، يقام فيها احتفالات غنائية، وسينمائية، في حين نجد الجولان في يد اليهود!!).
أصعب مناطق الشام كان قطاع حمص: وفيه أرسل أبو عبيدة خالد بن الوليد لفتح قنسرين، وقال: إنه سيتوجه لفتح حلب، وكان في قنسرين على الرغم من صغرها حامية رومية قوية جدًّا، وفيها حصن ضخم، على رأسها، قائد من كبار قادة الروم، يدعى ميناس، وكان وزير هرقل، واتخذ من قنسرين مقرًّا له، فتوجه إليه خالد بن الوليد، ودار بينهما قتال شديد خارج حدود قنسرين، واستمر القتال فترة طويلة، وصبر الروم، حتى قُتِلَ ميناس، وعلى غير عادتهم ظلوا يقاتلون بعد مقتل قائدهم، (وهي المعركة الوحيدة التي صمدوا فيها) وفَنَوْا عن آخرهم! لم يتبق منهم أحد، ولم يفر منهم أحد، وكان شهداء المسلمين (في المقابل) قليلين جدًّا، فانتصر خالد انتصارًا عظيمًا في هذه المنطقة.
كان هناك بعض العرب الموالين للروم في قنسرين، ولما هزم الروم، وقُتل قائدُهم هربوا، فحاصر خالد الحصن، ورفض القوم الخروج منه، فقال خالد: "لو كنتم في السحاب لحملنا اللهُ إليكم، أو لأنزلكم إلينا ", لما سمعوا هذا الكلام، ألقى الله U في قلوبهم الرعب، فلم يكن منهم إلا أن استسلموا، وطلبوا الأمان، ومصالحة المسلمين على الجزية، فقبل منهم خالد ذلك، ولما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعجب، وقال: "أَمَّرَ خالدٌ نفسه، يرحم الله أبا بكر، كان أعلم بالرجال مني! إني لم أعزله عن ريبة، لكن الناس عَظَّموه، فخشيتُ أن يُوكَلُوا إليه"، أي أن أداءه يفرض عليه أن يجعله أميرًا، ولم يكن عزله إلا أنه خاف أن يفتن به الناس، ويظنوا أن النصر من عند خالد، يقول ذلك بعد أن عزله بعامين، رضي الله عنهما، وأُمِّرَ على منطقة قنسرين، وبقي فيها رضي الله عنه.
قطاع دمشق:
توجه يزيد من دمشق غربًا إلى بيروت، وعبر الجبال الشاهقة، (طريق وعر وشاق) وفتحها، ثم اتجه جنوبًا وفتح صيدا، ثم عاد لبيروت، واتجه منها شمالاً جبيل ثم توجه إلى طرابلس التي استعصت عليه، فتركها، وتوجه إلى عرقة على بحر الروم..
وكان في مقدمة جيشه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، لأول مرة، وهو الذي فتح طرابلس بعد ذلك، وساحل البحر الأبيض المتوسط كله، وينتهي به المطاف إلى ولاية الشام, وكانت منطقة دمشق من أسهل المناطق فتوحًا بشكل عام.
دخول عمر بن الخطاب القدس واستكمال فتح الشام


بعد أن عقد عمر  صلحًا مع أهل القدس، وأعطاهم الأمان، ما عدا اليهود؛ توجه  بجيشه من الجابية لدخول القدس، فلما اقترب منها، ورآها من بعيد صعد على جبل، وكبر، فكبر المسلمون، وسمي هذا الجبل بجبل المكبر، ودخل عمر  القدس ليلاً، وحينما دخل بحث عن كعب الأحبار  (الذي كان يهوديًّا ثم أسلم) وسأله عن مكان الصخرة (أي المسجد الأقصى) (وكان أمير القدس قد حاول أن يضلله عن مكانه) عن تاريخ الطبري: فقال: يا أمير المؤمنين اذرع من وادي جهنم كذا وكذا ذراعًا فهي ثَمَّ (هناك)؛ فذرعوا فوجدوها وقد اتخذها النصارى مزبلة كما فعلت اليهود بمكان القمامة وهو المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي شبه بعيسى فاعتقدت النصارى واليهود أنه المسيح وقد كذبوا في اعتقادهم هذا كما نص الله تعالى على خطئهم في ذلك, والمقصود أن النصارى لما حكموا على بيت المقدس قبل البعثة بنحو من ثلاثمائة سنة طهروا مكان القمامة واتخذوه كنيسة هائلة بنتها أم الملك قسطنطين باني المدينة المنسوبة إليه واسم أمه هيلانة الحرانية البندقانية وأمرت ابنها فبنى للنصارى بيت لحم على موضع الميلاد وبنت هي على موضع القبر فيما يزعمون والغرض أنهم اتخذوا مكان قبلة اليهود مزبلة أيضًا في مقابلة ما صنعوا في قديم الزمان وحديثه فلما فتح عمر بيت المقدس وتحقق موضع الصخرة أمر بإزالة ما عليها من الكناسة حتى قيل: إنه كنسها بردائه، (وفعل ذلك معه الصحابة والتابعين) حتى طهر الباب فدخلوا إلى الساحة وصلى عمر  في محراب داود ركعتين تحية المسجد، ثم انقضى الليل، وجاء الفجر، فأَذَّنَ المؤذن لصلاة الفجر، وهي أول مرة يُؤَذَّن فيها في القدس الشريف.
وصَلَّى عمر بن الخطاب بالناس، وصلى الركعة الأولى بسورة (ص) وسجد فيها سجدة داود، وصلى في الركعة الثانية بصدر سورة الإسراء، وبعد الصلاة عادوا لتنظيف بقية أنحاء المسجد، ثم قرر المسلمون بناء المسجد الأقصى، لأنه كان مجرد سور، بداخله مساحة واسعة فقط، فاستشار عمر بن الخطاب كعبًا: أين يضع المسجد؟ فأشار عليه بأن يجعله وراء الصخرة، (القدس شمال مكة، فلو بنى المسجد خلف الصخرة، عندئذٍ من يتجه نحو القبلة في البيت الحرام، ستكون الصخرة حائلاً بينه وبين القبلة) فضرب في صدره وقال: يا ابن أم كعب ضارعت اليهود (أي أن كعبًا كان يريد أن يجعل قبلة اليهود والمسلمين واحدة، إلى الصخرة!!) وأمر ببنائه في مُقَدِّم بيت المقدس "أمام الصخرة".

تاريخ المسـجـد الأقصـى:

تاريخ بناء المسجد الأقصى يعود إلى قديم الزمان، إذ بُني بعد المسجد الحرام بنحو 40 عامًا، لحديث أَبَي ذَرٍّ يَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ؟ قال: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ".
قُلْتُ: ثُمَّ أَي؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى". قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ عَامًا, ثُمَّ الأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاةُ فَصَلِّ". رواه مسلم
والذي بنى المسجد الأقصى هو إبراهيم  غالبًا، ولم يُصَرَّحْ بذلك بوضوح، ولكن يُعْرَف من هذا الحديث؛ لأن إبراهيم  كان يعيش في أرض فلسطين، وهذا البناء بني في عصر سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
كان دخول عمر بن الخطاب القدس في رجب من عام 16هـ، وهذا ربما يلفت أنظارنا أن حادثة الإسراء والمعراج حدثت في نفس الشهر عام 10 قبل البعثة، فيتكرر دخول عمر بن الخطاب القدس لتحريرها من الروم في نفس الشهر الذي أسري به الرسول إلى المسجد الأقصى، وربما يكون في ذلك إشارة (كما أن صلاح الدين الأيوبي فتح القدس في 27 رجب، وحررها بعد 91 سنة من احتلال الصليبيين).. وإن شاء الله يتكرر ذلك قريبًا.
للمسجد الأقصى خاصية أنه يمكن للمسلم أن يسافر، ويشد الرحال إليه، وأنه مسرى رسول الله ، وأنه أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وهذا تشريف كبير له، فلا يجوز أن يسافر المسلم من بلد لآخر بغرض الصلاة في أي مسجد غير هذه المساجد الثلاثة.
عُرِفَ المسجدُ الأقصى في التاريخ ببيت المقدس، وأول مرة يسمى فيها بـ (المسجد الأقصى) عندما نزلت الآية الكريمة: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى[الإسراء: 1], فالله I هو الذي سماه هذا الاسم، والأقصى بمعنى الأبعد، أي الأبعد عن مكة، وهي أول مرة يذكر فيها، وبعدها عرف عند المسلمين بهذا الاسم.
بذلك تسلم عمر بن الخطاب المقاليد، وتم فتح القدس، بعد نحو 4 أعوام من الحروب والمعارك المتلاحقة داخل أراضي الشام، وأصبحت أرض فلسطين منذ ذلك الحين أرضًا إسلامية.

حقيقة الأرض الإسلامية:

أي أرض حُكِمَتْ في فترة من الزمان، ولو ليوم واحد بالإسلام، أصبحت أرضًا إسلامية، حتى لو بَعُدَ هذا الزمان عنَّا بألف عام، تظل أرضًا إسلامية، ولا يهمنا في هذا الصدد التقسيمات الجديدة، وسيادة الدول على الحدود المصطنعة، فالدولة الإسلامية حدودها تصل إلى كل دولة حكمت بالإسلام، في وقت مـا، سواء كان ذلك من عام مضى أو من عامين أو من ألف وأربعمائة عام.
فهذا ما نعتقده، وهذا ما نؤمن به، فأرض فلسطين كلها إسلامية، وليست مدينة القدس فحسب، على ما لها من أهمية أكبر، لوجود المسجد الأقصى بها، ولكن بقية المدن الموجودة في فلسطين كلها أرض إسلامية، بل حتى "تل أبيب" أرض إسلامية؛ لأنها مدينة مبنية على أرض إسلامية، يجب أن تحرر ممن يسكنها، سواء كان من يسكنها أحفاد القردة والخنازير، أو غيرهم.
وعليه فإن الأندلس (إسبانيا) أرض إسلامية، مهما عاش فيها عُبَّادُ الصليب، أو عباد المسيح، ألف عام فهي أرض إسلامية، يجب على المسلمين تحريرها، فرض عين عليهم، ما دامت قد حكمت يومًا واحدًا بالإسلام، فكيف يكون الأمر إذا حكمت 8 قرون!!
وكذلك أرض الهند أرض إسلامية، حتى لو عاش فيها عباد البقر ألف عام، أو ألفي عام، لن نتهاون في تحريرها، ولا يهمنا في هذا الصدد القانون الدولي الجديد، ولا النظام الدولي الجديد، ولا يهمنا القوانين والتشريعات التي وضعها اليهود، والنصارى، والملحدون، ومن شايعهم! ولا يهمنا في ذلك الولايات المتحدة أمريكية كانت أو غير أمريكية، ولا يهمنا في ذلك شرقٌ أو غرب! ولا يهمنا في ذلك شياطين الإنس والجن، هذا شرع الله I، ثابت لا يتغير, وجند الله ملتزمون بشرعه، ينفذونه في كل عصر وفي كل مكان..
وهذا ليس أحلامًا ولا أوهامًا، وإنما هي عقيدة ومبادئ، سيحققها الله I يومًا مـا، ستحرر هذه الأراضي إن شاء الله كلها بالكامل، ستحرر الهند، وفلسطين، والأندلس, ستحرر كل البلاد التي حُكِمت بالإسلام من قبل, وسيأتي يوم تحرر فيه هذه البلاد جميعها، {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ[ص: 88].
لكن لن يحرر هذه البلاد عميل خائن باع نفسه للشيطان، ولن يحررها قائدٌ متسلط، حمل البندقية ووجهها إلى صدر إخوانه وأهله!! لن يحررها قائد تخلى عن شرف القيادة، ولكن يحررها جيش عقيدة، كهذه الجيوش التي فتحتها، جيش يجعل من الإيمان السلاح الأول، ويجعل وجهته إلى الله I لا إلى الشرق، ولا إلى الغرب، مهما كانت قوة الشرق والغرب، ذلك الجيش الذي يحقق سلاح الإيمان بالله أولاً، ثم يسعى بعد ذلك إلى السلاح المادي، ويحققه، هذا هو الجيش الذي سيحررها، مهما ضعفت الإمكانيات، حتى إن كان سلاحه الحجارة، ستحرر هذه البلاد، ولو بحجارة من سجيل..
فالله  قادر على تحقيق ذلك، ولكن المهم أن يُوجَدَ جُندُ الله، الراغبون في تحرير هذه البلاد، وهي ستتحرر ولا شَكَّ..
لم يتبق للمسلمين غير "قيسارية" و"يافا" في فلسطين، وكذلك الشام لم يتبق فيه إلا "طرابلس" ليصبح الشام كله مسلمًا، وبعد فتح القدس، عاد أبو عبيدة إلى حمص، وعاد خليفة المسلمين عمر بن الخطاب  إلى المدينة، وشرحبيل بن حسنة إلى الأردن، ويزيد بن أبي سفيان إلى دمشق، وظل عمرو بن العاص في فلسطين.
في بقية هذا العام 16هـ يفتح معاوية بن أبي سفيان مدينة طرابلس، وكان على مقدمة جيش يزيد بأمر عمر بن الخطاب .

محاولات رومية لاسترداد حمص وصمود قيسارية:

يأتي عام 17هـ ويكون أبو عبيدة في حمص آنذاك، وتفكر مجموعة من نصارى العرب، والروم الموجودين في الجزيرة (الموجودة بين دجلة والفرات) في الهجوم على المسلمين، فيتوجهوا بقوة لحصار حمص، وبها أبو عبيدة، فيقاتلهم أبو عبيدة وهو في حصنه، ويطول بينهما القتال، ولا يستطيع أن يفك الحصار، فتصل المعلومات إلى عمر بن الخطاب ، فيوجه الأوامر مباشرة إلى سعد بن أبي وقاص أمير العراق أن يرسل قوة من عنده لإنقاذ أبي عبيدة (وهذه فائدة أن تكون الدولة الإسلامية متحدة، وأن تعرف القيادة المركزية ظروف كل منطقة)..
يرسل سعد بن أبي وقاص قوتين: الأولى لمحاربة منطقة الجزيرة نفسها، التي خرج منها المقاتلون، فأرسل ثلاثة جيوش، بقيادة سهيل بن عدي ، وعبد الله بن عبد الله بن عتبان، وعياض بن غنم، الذي قاد الجيوش الثلاثة، حتى الجزيرة، لكي يقطع المدد عن الجيش الذي يحاصر حمص، وأرسل قوة أخرى إلى حمص مباشرة، على رأسها القعقاع بن عمرو  القائد المنقذ, الذي قبل أن يصل إلى حمص بثلاثة أيام، بلغه نبأ انتصار المسلمين على الروم، وتمكَّن أبو عبيدة وجيشه من هزيمة الروم، وقتل عدد كبير منهم، وفرار الباقين.
احتار المسلمين عندئذٍ كيف يوزعون الغنائم، وقد وصلهم جيش القعقاع بعد انتصارهم، أيشركون عَمْرًا في الغنيمة أم لا؟، فأرسلوا بذلك إلى عمر بن الخطاب, فرأى أن يُقْسَمَ له من الغنائم؛ لأن مجرد وجودهم قد أرهب الروم، كما أنهم لم يأت بهم إلا الجهاد، ونجدة المسلمين، وقسم لهم فعلاً من الغنائم.

صمود قيساريــة:

ولا يزال عمرو بن العاص  محاصرًا لقيسارية، وهي مستعصية على الفتح، منذ عام 16هـ، وذلك لأنها كانت من المدن الحصينة، وهي على حدود البحر الأبيض المتوسط، وبها حامية قوية جدًّا: 120 ألف مقاتل، تجمعوا بعد اليرموك، وكان الروم حريصين على بقاء جزء منهم داخل الأراضي الشامية، حتى يستطيعوا الدخول منه لحرب المسلمين، لكن بعد هزيمة الروم في حمص (الهزيمة الثانية)، لم يفكر الروم في الهجوم على المسلمين مطلقًا حتى هذه اللحظة، لكن قوة (قيسارية) التي لا تستسلم، ولا تهزم هي الوحيدة التي استعصت على المسلمين، وكانت (يافا) قد فتحت على يد معاوية بن أبي سفيان، بعد أن جاءت أوامر من المدينة ليزيد بذلك.
وتنتهي سنة 17هـ دون سقوط قيسارية، وأصبحت هي المدينة الوحيدة في الشام كله التي لم تُفْتَحْ!!

طاعون عمواس:

وبحلول عام 18هـ يحدث حدث مروع، كارثة تحدث للمسلمين في أرض الشام، لم يسبق لها مثيل في تاريخهم..
تلك هي (طـاعون عمواس) ذلك الذي أصاب كثيرًا من المسلمين، وكل من يصاب به يموت فورًا بعد 5 أيام على الأكثر، ولم يفلح أي نوع من الأدوية والعلاجات في علاج هذا الوباء الخطير.
والطاعون في لغة العرب يحمل أي نوع من الوباء (لا يُشترط أن يكون المرض المعروف الذي تنقله الفئران والبراغيث) ولكن مِن وَصْفِ هذا المرض على لسان من رأوه، يغلب على الظن أنه هو المرض المعروف الآن باسم (الطاعون)، وقد انقرض الآن من الدنيا والحمد لله، (لكنه عاد في الهند) ينتقل عن طريق الفئران والبراغيث، وظل الطاعون في أرض الشام شهورًا، بل إنه انتشر من عمواس إلى مدن أخرى كثيرة، حتى إنه وصل إلى مدينة البصرة في العراق, ومات خلق كثير.
كان عدد المسلمين في أرض الشام بعد الفتوحات، وبعد إسلام بعض أهل الشام، بين 30 و36 ألف مسلم، وقد توفي منهم في هذا الوباء الخطير ما بين 25 و30 ألف مسلم!! أي أن نسبة الوفاة بلغت 80 بالمائة من الجيش الإسلامي الموجود في الشام، فكانت كارثة عظيمة على المسلمين، لا تقارن بعدد شهداء المسلمين منذ بدء الحروب مع الكفار (من بدر) حتى لحظتهم هذه!!
لما علم خليفة المسلمين عمر بن الخطاب  بهذه الكارثة أراد أن يستنقذ أبا عبيدة بن الجراح ، الذي كان قائد المسلمين في الشام، وكان يرى أنه لو مات أبو عبيدة، فسيكون ذلك مشكلة كبيرة لبقية الجيش الإسلامي الموجود في الشام،
وكانت فتوحات المسلمين في فارس مستمرة، ولكنه أراد أن يستنقذ أبا عبيدة، حتى يحافظ عليه قائدًا لجيش المسلمين في أرض الشام، فأرسل له رسالة: "سلامٌ عليك، فإني قد عرضت إليَّ فيك حاجة، وأود أن أشافهك بها، فعزمتُ عليك، إذا نظرت في كتابي هذا ألا تضعه من يدك حتى تقبل إليَّ، فإن أتاك ليلاً، فلا تصبحْ حتى تركب إلي، وإن أتاك نهارًا، فلا تُمْسِ حتى تركب إليَّ".
ولكن أبا عبيدة فهم رسالة عمر، وقال: "غفر الله لأمير المؤمنين"، وأرسل له رسالة، يقول له فيها: "يا أمير المؤمنين، إني قد عرفتُ حاجتك إليَّ، وإني في جندٍ من المسلمين، لا أجد لنفسي رغبة عنهم، فلست أريد فراقهم حتى يقضي الله فيَّ وفيهم أمره وقضاءه، فَخَلِّني من عزمتك يا أمير المؤمنين، ودعني في جندي".
هذا هو أبو عبيدة أمين هذه الأمة، ونذكر ما قاله عنه الصديق  أثناء توديعه لحروب الشام، عندما قال له: ما دعوتك إلا أني أردت أن أخبرك بمنزلتك عند رسول الله ، فإني والله، بعد أن علمت هذه المنزلة، لا أعدل على الأرض أحدًا بك، أو بهذا الرجل (وأشار إلى عمر بن الخطاب) ونعلم ما فعله كذلك يوم السقيفة، حينما خَيَّر المسلمين بين أبي عبيدة، وعمر بن الخطاب، أن يبايعا أحدهما.
فلما قرأ عمر بن الخطاب كتابه بكى، فسأله المسلمون، وهم يخشون أن يكون قد مات أبا عبيدة، فقال لهم: "لا، ولكن قـد..!!" أي إنه على وشك أن يموت!
وهناك رواية أن عمر ذهب بنفسه إلى الشام، حول مدينة عمواس، وقد انتشر الوباء في أكثر من مدينة، فخرج إليه أبو عبيدة، ورفض عمر أن يدخل المدينة الموبوءة، فقال له أبو عبيدة: أتفِرُّ من قدر الله يا عمر؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!، إنما نفر من قدر الله إلى قدر الله.
أي إنه إنما يأخذ بالأسباب، فقضاء الله نافذٌ لا محالة، ولكن عمر لم يدخل مدينة عمواس، ورفض أبو عبيدة أن يعود معه، وعاد إلى داخل المدينة..
وأرسل عمر إلى أبي عبيدة رضي الله عنهما رسالة أخرى فقال له: "سلامٌ عليك، أما بعد، فإنك أنزلت الناس أرضًا عميقة، فارفعهم إلى أرض مرتفعة نزهة"..
يرى أن الحل ربما يكون في تغير المكان، فلما وصلت الرسالة أبا عبيدة، استدعى أحد علماء الأرض، ومن الأدلة في أرض الشام وهو طارق بن شهاب البجلي، فقال له: اختر لنا منزلاً، فعاد طارق إلى بيته ليعد راحلته، فوجد زوجته قد أصيبت بالطاعون، وماتت، فرجع يبكي لأبي عبيدة، ويقول له: لقد أصيبت زوجتي بالطاعون، وماتت.

وفاة أبي عبيدة ومعاذ ويزيد وشرحبيل رضى الله عنهم:

فعزَّاه أبو عبيدة، ولكن ما إن ينظر طارق إليه حتى يجده قد أصيب في رجله وفي كفه بالطاعون، فعلم أنه أصيب، فسأله عن هذه الآثار، فعلم أبو عبيدة أنه قد أصيب، (وهذا ما كان يخشاه عمر)؛ فجمع أبو عبيدة الناس، وقام فيهم خطيبًا فقال: "إني موصيكم بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير، أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا شهر رمضان وتصدقوا وحجوا واعتمروا وتواصوا, وانصحوا لأمرائكم ولاتغشوهم, ولا تلهكم الدنيا فإن امرءا لو عُمِّرَ ألفَ حَوْلٍ ما كان له بُدٌّ من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون، إن الله كتب الموت على بني آدم فهم ميتون، وأكيسُهم أطوعهم لربه وأعلمهم ليوم معاده والسلام عليكم". صَلِّ بالناس يا معاذ، ورد في خطبة أبي عبيدة في كتب التاريخ: أيها الناس، إن هذا الوجع رحمة من ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم لنا حظًّا منه فطعن، فمات.

استخلاف معاذ t:

واستخلف معاذ بن جبل، ومات  وأرضاه، عن عمر يناهز ثمانية وخمسين عامًا..
وكان قد أوصى أن يُدْفن في بيت المقدس، ثم عدَّل فيها، وقال: ادفنوني حيث مِتُّ، خوفًا أن تصبح سنة.

وفاة معاذ:

وقام معاذ بن جبل؛ فقال للناس: "يا أيها الناس توبوا إلى الله من ذنوبكم توبة نصوحًا فإن عبدًا لا يلقى الله تائبًا من ذنبه إلا كان حقًّا على الله أن يغفر له, من كان عليه دين فليقضه، فإن العبد يُرتهن بدينه, ومن أصبح منكم مهاجرًا أخاه فليصالحه، ولا ينبغي لمسلم أن يهجر أخاه أكثر من ثلاث وهو الذنب العظيم، إنكم أيها المسلمون قد فُجِعْتُم برجل ما أزعم أني رأيت عبدًا أبرَّ صدرًا , ولا أبعد من الغائلة (من الحقد للناس) ولا أشد حبًّا للعامة, ولا أنصح للعامة منه؛ فترحموا عليه رحمه الله واحضروا الصلاة عليه".
فَصَلَّى عليه المسلمون، ودُفن  في أرض الشام في صباح هذا اليوم، ويسمع معاذ حينها مقولة تسري بين المسلمين، أن هذا الوباء "طوفان ورِجْز"، أي كالذي عُذِّبَ به آل فرعون، فغضب معاذ لذلك غضبًا شديدًا؛ لأن هذا ليس عذابًا من الله I، فجمع الناس جميعًا (في نهاية هذا اليوم، وهناك روايات أنه بعدها) فقال لهم: أيها الناس لو أعلم أني أقوم فيكم بعد مقامي هذا ما تكلفت اليوم القيام فيكم (أي أنه يخشى أن يموت قبل أن يبلغهم ما يريد، ويخشى أن يكون قد أصيب بالطاعون، وقد أُصِيبَ فعلاً) وقد بلغني أنكم تقولون هذا الذي وقع فيكم طوفان ورجز, والله ما هو طوفان ولا رجز، وإنما الطوفان والرجز كان عَذَّب الله به الأمم, ولكنها شهادة أهداها الله لكم، واستجاب فيكم دعوة نبيكم  (أن تُوهب الشهادة لقومه؛ لأن الرسول  يقول: إن المطعون شهيد، فقد مات أبو عبيدة شهيدًا، وكل من مات في هذا الطاعون شهداء).
ومات معاذ بن جبل ، في يومه ذاك، وهو لم يبلغ الثامنة والثلاثين من عمره (وفي روايات 33 فقط) فلم يتأَمَّر على الشام إلا يومًا واحدًا في أصح الأقوال.
ووصلت الأنباء إلى عمر بن الخطاب  في المدينة، فحزن حزنًا شديدًا، وبكى بكاءً طويلاً، حتى اخضلَّت لحيته بالدموع ، واحتار في الأمر، ثم كتب كتابًا، وأمر على المسلمين يزيد بن أبي سفيان، فأصبح يزيد أمير الشام كلها، وكان آنذاك لا يزال محاصرًا لقيسارية، بعد أن تركها له عمرو بن العاص، وكان معه في هذا الحصار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فتولى أمر المسلمين، وهو لا يزال حول قيسارية.

وفاة يزيد وشرحبيل:

وما هي إلا أيام حتى أصيب يزيد بن أبي سفيان  بالطاعون أيضًا، فسقط شهيدًا ، وهو أمير المسلمين الثالث، في غضون أقل من شهر.
فتصل الأنباء إلى عمر، فيزداد حزنه، ويقرر أن يقسم الشام إلى قسمين: شمالي وجنوبي، جعل على القسم الشمالي معاوية بن أبي سفيان، وعلى القسم الجنوبي شرحبيل بن حسنة رضي الله عنهما، وما هي إلا أيام ويسقط شرحبيل بن حسنة  شهيدًا صريعًا للطاعون!!
وجمع عمر إمرة الشام كله لمعاوية بن أبي سفيان، وكان ذلك عام 18هـ، وبقيت في يده بأمر عمر حتى خلافة الحسن بن علي ، وأحداث الفتنة, حتى أصبح أميرًا للمؤمنين عام 40هـ.
لما عمَّ هذا البلاء على المسلمين، قام عمرو بن العاص خطيبًا في فلسطين، وقال: أيها الناس إن هذا البلاء ليس له حل إلا أن تهربوا في الشعاب، والأودية، والجبال..
(لم يبق من المسلمين إلا 6 آلاف على أكثر تقدير)؛ فغضب لمقولته كثير من الصحابة، حتى إن أحدهم، واسمه أبو وائل الهذيلي ، قام لعمرو بن العاص وقال له: كذبت والله.

عمر يرجع إلى الشام:

خشي المسلمون بعد ذلك -لقلة أعدادهم- من بطش الأعداء، بعد هذا الطاعون، وخاصة أن الروم ذوو أعداد كبيرة، وعتاد ضخم، فداخل قيسارية يوجد120 ألف رومي!! وسبحان الذي ألقى في قلوبهم الرعب، ولم يخرجوا للمسلمين حتى هذه اللحظة، ولكن عمر بن الخطاب خشي على بقية الجيش الإسلامي، من أن يهاجمهم الروم، فبحث لهم عن المدد، وأعد لهم العدة، وذهب بنفسه  إلى الشام، فانقمعت بذلك قلوب الأعداء -كما يذكر ابن كثير- لأنه كان ذا رهبة كبيرة في قلوب الأعداء، وكان قد ذهب لهدفين رئيسيين:
الأول: إرهاب الأعداء حتى لا يأتوا بالقوة لأرض المسلمين، بعد تهديدهم بهذه الكارثة الرهيبة.
والثاني: هدف شرعي، وهو الفصل في تقسيم المواريث بين المسلمين، لأنهم احتاروا في تقسيم مواريث (25 إلى 30 ألفًا) متوفى، وقسم مواريث 25 ألف متوفى بنفسه، ومكث فترة في أرض الشام، في أواخر عام 18هـ، حتى زاد المدد، وازدادت شوكة المسلمين.
ولم يحدث في هذا العام أي هجوم على المسلمين من الروم، على الرغم من أنها كانت فرصة سانحة، ومواتية تمامًا للقضاء على من تبقى من المسلمين.
وممن استشهد في الطاعون: ابن عم رسول الله  الفضل بن العباس ، وكذلك أبو جندل ابن سهيل بن عمرو ، الذي جاء إلى رسول الله بعد صلح الحديبية، وطلب أن يدخل في حلف المسلمين بعد أن أسلم، فرده رسول الله إلى أبيه..
وكذلك الحارث بن هشام ، وهو أخو أبو جهل عمرو بن هشام، أسلم في فتح مكة، خرج للجهاد في الشام، في فتح الشام كما ذكرنا في اليرموك، وخرج في سبعين من أهله، فاستشهدوا جميعًا في طاعون عمواس، إلا أربعة..
وتوفي أبو مالك الأشعري، ومات الكثير من أبناء خالد بن الوليد , وابنا معاذ بن جبل وزوجته.

معاوية يفتح قيسارية:

بعد انقطاع الطاعون في أواخر عام 18هـ، بقي للمسلمين مدينة واحدة فقط لم تفتح حتى هذه اللحظة، وهي مدينة قيسارية، فيذهب إليها معاوية بن أبي سفيان بنفسه، وحاصرها مدة طويلة (بلغت 6 سنوات)..
ويأتيه في ليلة من الليالي رجل من اليهود، اسمه يوسف، يقول له: أَمِّنِّي على نفسي، وأهلي ومالي، وأنا أدلُّك كيف تدخل هذه المدينة، فيُؤَمنه معاوية، فَدَلَّه على سرداب، تحت الأرض فيه المياه إلى حِقْوِ الرجل، وأخبره أن هذا المجرى من الماء يصل إلى داخل الحصون.
فدخل معاوية وجيشه من خلال هذا السرداب ليلاً، ولما دخل الجيش كله، كبر معاوية؛ فكبر المسلمون، وقام أهل المدينة فزعين، وفوجئوا بوجود المسلمين داخل الحصن، فأسرعوا ليفروا عن طريق السرداب، فوجدوا المسلمين عنده، ودارت معركة قاسية جدًّا، ولم يكن جيش المسلمين يتجاوز الـ 17 ألف مجاهد، مقابل 120 ألف رومي!!! وكتب الله النصر للمسلمين، وسقط من القتلى داخل الحصن 80 ألف رومي، ولم يُسْتَشهد عدد يذكر من المسلمين، وهرب الباقون، فلاحقهم المسلمون، وقتلوا منهم 20 ألفًا آخرين.
وتصل الأنباء إلى المدينة المنورة ليلاً، فيكبر عمر، ويكبر المسلمون فرحًا بهذا النصر المبين، بعد هذه المصيبة التي كانت قد ألمت بالمسلمين في أرض الشام، وتكون أول ليلة من الفرح، بعد ليال طويلة من الحزن لما حدث في طاعون عمواس.
وبذلك تسقط آخر مدينة من مدن الشام، وأصبح الشام كله مسلمًا عام 19هـ.

المشاركات الشائعة