وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

     .. سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". **** وعن أبي هريرة و أبي سعيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر *** قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ لخمس ما أثقلَهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفَّى للمرء المسلم فيحتسبه ***

ad

الثلاثاء

القانون التجاري



 1) أهمية التفرقة بين العمل التجارى و العمل المدنى.




تتضح أهمية التفرقة بين العمل التجارى والعمل المدنى بصدد الأمور الآتية :

أولاً - الاختصاص القضائى :

تختص بعض الدول المنازعات التجارية بقضاء تجارى متخصص ، من هذه الدول فرنسا ؛ حيث تدخل المنازعات التجارية فى اختصاص المحاكم التجارية ويراعى بصددها إجراءات خاصة . وعلى العكس من ذلك ، اتجه المشرع المصرى فهو لم يتبنَ مبدأ القضاء التجارى المتخصص فالمحاكم تختص بنظر جميع المنازعات مدنية كانت أو تجارية ، وإن كانت تخصص أحياناً دوائر تجارية لنظر المنازعات التجارية ، وذلك باستثناء المحكمتين التجاريتين اللتين أنشأهما المشرع المصرى سنة 1940 فى كل من مدينتى القاهرة والإسكندرية . قد حرص المشرع المصرى على تيسير التقاضى فى المنازعات التجارية وذلك بتخييره المدعى بين ثلاث محاكم لإقامة دعواه التجارية وفقا للمادة 55 مرافعات ، فقد أجاز للمدعى أن يقيم دعواه أمام محكمة موطن المدعى عليه وفقا للأصل العام فى إقامة الدعوى أو المحكمة التى تم الاتفاق أو نفذ كله أو بعضه فى دائرتها ، أو المحكمة التى يجب تنفيذ الاتفاق فى دائرتها .

ثانياً - الإثبات :

يختلف العمل المدنى عن العمل التجارى من حيث وسيلة الإثبات الواجب اتباعها ، فبينما يستلزم العمل المدنى الكتابة لإثباته ، فلا يجوز مثلا إثبات العمل المدنى الذى تزيد قيمته على خمسمائة جنيه أو غير محدد القيمة إلا بالكتابة (مادة 60 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 بعد تعديلها بالقانون رقم 18 لسنة 1999) يجوز إثبات العمل التجارى ولو زاد على خمسمائة جنيه بالبينة أو القرائن ، كما يجوز أيضا فى المسائل التجارية وعلى خلاف المسائل المدنية إثبات ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها بدليل غير كتابى ، فمبدأ حرية الإثبات هو القاعدة التى تحكم إذا المعاملات التجارية وخلافا للمعاملات المدنية التى يخضع الإثبات فيها لبعض القيود. وقد أكد قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 هذا المعنى بوضوح فى المادة 69 منه بقوله: « يجوز إثبات الالتزامات التجارية أيا كانت قيمتها بكافة طرق الإثبات ما لم ينص القانون على غير ذلك ».

د

ثالثاً - نظام العوائد :

فرق المشرع المصرى بين العمل المدنى والعمل التجارى من حيث نظام العوائد الذى ينطبق على كل منها ، وهذه التفرقة تتضح من أمور ثلاثة هى: سعر العائد - تاريخ استحقاقه - جواز تجميده . فبينما نجد سعر العائد بالنسبة للديون المدنية 4% نجد هذا السعر 5% بالنسبة للديون التجارية .

من حيث سريان العائد : بينما نجد أن العائد يستحق فى الدين المدنى من تاريخ المطالبة به قضائيا ، يسرى العائد على الدين التجارى من تاريخ استحقاقه أو منذ الوقت الذى يحدده العرف التجارى إذا كان هناك عرف فى هذا الصدد (م226 مدنى و م64 تجارى) .

من حيث تجميد العائد : بينما لا يجوز تجميد العوائد المستحقة عن الديون المدنية ، كما لا يجوز أن يكون مجموع العوائد القانونية التى يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال (م232 مدنى) . جرى العرف التجارى على جواز تجميد العوائد فى الحسابات الجارية وفى أعمال البنوك بصفة عامة ، كما جرى العرف على جواز تجاوز مبلغ العوائد رأس المال ، وقد أكدت هذا المعنى بوضوح المادة 64 تجارى .

رابعاً - التضامن بين المدينين :

بينما تقضى المادة 279 مدنى بأن التضامن لا يفترض وينبغى لإقامة التضامن من نصوص صريحة فى القانون أو العقد نجد العرف التجارى يؤكده القضاء وغالبية الفقه مستقرون على افتراض التضامن فى المسائل التجارية ، هذا فضلا عن نصوص القانون التجارى الصريحة التى تقيم التضامن بين الملتزمين بدين تجارى (م47 من قانون التجارة) كذلك بين الشركاء فى شركات التضامن ، والشركاء المتضامنون فى شركات التوصية بنوعيها (البسيطة وبالأسهم) وذلك عن ديون الشركة متى تم التوقيع عليها بعنوان الشركة (م 22، 23 تجارى) .

خامساً - المهلة القضائية :

الأصل أنه يجوز للقاضى أن يمنح المدين مهلة للوفاء بديونه أو يوافق على تقسيط الدين وذلك إذا كان تأجيل الدين أو تقسيطه لا يلحق ضررا بالدائن ، ولما كان تأخير الوفاء بالديون التجارية قد يترتب عليه إلحاق ضرر جسيم بالمدين التاجر الذى قد يعرضه للإفلاس بسبب تأخره فى الوفاء بديونه ، أو قد يحرمه فرصة كسب كبيرة ، فيجب على القاضى أن يتحرز كثيرا من منح مهلة للمدين للوفاء بديونه التجارية أو تقسيط الدين إلا إذا كانت هناك ضرورة تقتضى ذلك وبشرط ألا يترتب على منح المهلة أو تقسيط الدين إلحاق ضرر جسيم بالدائن (م 59 من قانون التجارة) .

سادساً - النفاذ المعجل :

الأصل أن الأحكام الصادرة فى المواد المدنية لا يجوز نفاذها إلا بعد صيرورتها نهائية أى بعد استنفاد الطعن فيها بالاستئناف (م287 مرافعات) ولكن استثناءً من هذا المبدأ يجب نفاذ جميع الأحكام الصادرة فى المنازعات التجارية قبل صيرورتها نهائية ، أى ولو كانت قابلة للاستئناف وذلك بشرط تقديم كفالة (م289 مرافعات) .

وهذا الاستثناء مقرر رغبة فى تحقيق السرعة فى المعاملات التجارية ومنعا للمماطلة ووقف تنفيذ الأحكام عن طريق الطعن فيها .

سابعاً - الإفلاس :

الإفلاس (م550 تجارى وما بعدها) وهو نظام خاص بالتنفيذ على التجار الذين يتوقفون عن دفع ديونهم التجارية ويشترط لإعمال هذا النظام توافر شرطين هما : أولاً أن يكون المدين تاجرا . والثانى أن يكون قد ثبت توقفه عن دفع ديونه التجارية فى مواعيد استحقاقها ، فلا يجوز تطبيق نظام الإفلاس على غير التجار ولا على التجار إذا كانت الديون التى توقفوا عن أدائها ديونا مدنية .

ثامناً - الإعذار :

إذا كان إعذار المدين فى المعاملات المدنية يستلزم إرسال ورقة رسمية للمدين من أوراق المحضرين ، فإن الوضع فى القانون التجارى يختلف إذ يمكن أن يتم إعذار المدين بوسائل أخرى كخطاب موصى عليه أو برقية أو تلكس ، بل يمكن لأطراف العقد أن يعتبروا مجرد حلول أجل الوفاء إعذارا فى حد ذاته دون حاجة إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات ، وهذا ما أكدته المادة 58 من قانون التجارة بقولها: « يكون إعذار المدين أو إخطاره .... فى المواد التجارية بإنذار رسمى أو بكتاب مسجل مصحوب بعلم الوصول ، ويجوز فى أحوال الاستعجال أن يكون الإعذار أو الإخطار ببرقية أو تلكس أو فاكس أو غير ذلك من وسائل الاتصال السريعة » .

تاسعاً - صفة التاجر :

يشترط لاكتساب صفة التاجر وفقا للمادة العاشرة من قانون التجارة أن يحترف الشخص القيام بالأعمال التجارية باسمه ولحسابه ، أما القيام بالأعمال المدنية واحترافها فلا يترتب عليه اكتساب الشخص صفة التاجر ولا يخضعه للالتزامات المترتبة على اكتساب هذه الصفة كمسك الدفاتر التجارية والقيد فى السجل التجارى .

عاشراً - التقادم :

الأصل أن تتقادم الالتزامات المدنية بانقضاء خمس عشرة سنة إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك .

أما الالتزامات التجارية فهى تتقادم عادة بمضى مدد أقصر من المدد المقررة لتقادم الالتزامات المدنية وذلك رغبة من المشرع التجارى فى تحرير الملتزمين بديون تجارية من التزاماتهم القديمة على وجه السرعة وتفرغهم لأنشطتهم الجديدة ، ونجد المادة 68 من قانون التجارة الحالى تضع القاعدة العامة لانقضاء الالتزامات التجارية فى هذا الصدد بقولها: « تتقادم الدعاوى الناشئة عن التزامات التجار قبل بعضهم البعض والمتعلقة بمعاملاتهم التجارية بمضى سبع سنوات من تاريخ حلول ميعاد الوفاء بالالتزامات إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك ، وكذلك تسقط بمضى عشر سنوات الأحكام النهائية الصادرة فى تلك الدعاوى » .




 2) الأعمال التجارية المنفردة.










الأعمال التجارية المنفردة

تمهيد :

يقصد بالأعمال التجارية المنفردة تلك الطائفة من الأعمال التى تكتسب الصفة التجارية ولو وقعت مرة واحدة ، وبصرف النظر عن صفة القائم بها تاجرا كان أو غير تاجر ، وقد نصت المادتان الرابعة والسادسة من قانون التجارة الحالى على هذه الأعمال وهى كما يلى :

أولاً - الشراء بقصد البيع أو التأجير :

يستفاد من نص المادة الرابعة /1 تجارى أن الشراء بقصد البيع أو التأجير يعتبر عملا تجاريا ولو وقع مرة واحدة وبصرف النظر عن صفة القائم به تاجرا كان أو غير تاجر .

والصفة التجارية لا تقتصر على الشراء فحسب بل تمتد إلى البيع اللاحق للشراء ، لأنه لا يعقل أن تكون العملية الأصلية وهى الشراء تجارية والعملية التابعة للعملية الأصلية وهى البيع أو التأجير اللاحق للشراء غير تجارية . ويشترط لاعتبار الشراء لأجل البيع أو التأجير تجاريا توافر ثلاثة شروط هى :

1- أن يبدأ العمل بالشراء .

2- أن ينصب الشراء على منقول .

3- أن يكون الشراء قد تم بقصد البيع أو التأجير .



الشرط الأول - أن تبدأ العملية بالشراء :

ويقصد بالشراء الحصول على ملكية الشىء بمقابل سواء أكان هذا المقابل نقديا أم عينيا أى عن طريق استبداله بشىء آخر ، أما إذا كان الشىء المبيع قد اكتسبه مالكه بالإرث أو الوصية أو الهبة ثم قام ببيعه بعد ذلك ، فإن البيع فى هذا الفرض يعتبر عملا مدنيا وليس عملا تجاريا، وذلك لانتفاء الشراء السابق على البيع ، فيجب أن يستبعد من نطاق البيع التجارى كل بيع ينصب على المنقولات التى يكتسبها أصحابها بوسائل أخرى غير الشراء كعمل الطبيعة أو العمل البدنى أو الذهنى ؛ ويصدق ذلك على النشاط الزراعى والمهن الحرة والإنتاج الذهنى .

1- النشاط الزراعى :

وسبب مدنية الأعمال الزراعية ليس فقط أن المنتجات الزراعية هى نتاج للطبيعة والمجهود الإنسانى دون أن تكون مسبوقة بشراء وإنما أيضاً نص صريح فى المجموعة التجارية هو المادة التاسعة والتى تنص على أنه « لا يعد عملا تجاريا بيع الزارع منتجات الأرض التى يزرعها سواء كان مالكا لها أو مجرد منتفع بها » .

هكذا لا يعد بيع المحاصيل الزراعية عملا تجاريا سواء أكانت الأرض المزروعة مملوكة للبائع أم مزروعة فقط بمعرفته كما لو كانت مستأجرة فحسب . ويلحق بالاستغلال الزراعى كافة الأعمال المتصلة بالزراعة كتربية الماشية المستخدمة فى الزراعة وبيع صغارها وكذلك تربية الدواجن وإنتاج اللبن والزبد وبيعهما شريطة قيام صلة بين هذه الأنشطة والاستغلال الزراعى بحيث تكون ملحقه به وتابعة له ، أما إذا انعدمت هذه الصلة بحيث أصبح النشاط التجارى هو النشاط الرئيسى والنشاط الزراعى هو النشاط الثانوى فإننا نكون بصدد عمل تجارى وليس عملا مدنيا ، ومن ذلك شراء أحد الأشخاص أو استئجاره قطعة أرض ليقيم عليها مزرعة دواجن أو مزرعة لتسمين الماشية وإنتاج الألبان وبيعها ، ويقوم بشراء صغار الدواجن أو الماشية ثم تربيتها وشراء الغذاء اللازم لها خارج نطاق الاستغلال الزراعى ، كما يستخدم العمال اللازمين لذلك ، فهو يضارب حينئذ على سعر الدواجن والغذاء والماشية ويحقق ربحا من فروق الأسعار ، وعلى ذلك يعتبر عمله تجاريا وليس مدنيا وذلك مشروط بمباشرة هذا العمل على وجه الاحتراف (م5 فقرة ك من قانون التجارة) .

كذلك يعتبر من الأعمال المدنية تحويل بعض المنتجات الزراعية بقصد بيعها ، كتحويل القمح إلى دقيق أو قصب السكر إلى عسل أسود عن طريق مطاحن الغلال أو عصارات القصب كذلك تعبئة المنتجات وتغليفها ، أما إذا اتسع نشاط المزارع بحيث أصبح يشمل بجانب طحن غلاله أو عصر قصبه أو تعبئة منتجاته طحن أو عصر أو تعبئة محاصيل جيرانه بحيث طغى هذا النشاط الأخير على نشاطه الزراعى الأساسى وباشر التصنيع على وجه الاحتراف فإن عمله فى هذا الصدد يعتبر تجاريا وليس مدنياً.

2- المهن الحرة :

ويقصد بها الأعمال التى يقوم بها بعض الأفراد استغلالا لمؤهلاتهم العلمية ومواهبهم وقدراتهم الشخصية ، ومن هذه الأعمال مهنة المحاماة والطب والمحاسبة وغيرها من المهن التى يستقر عليها العرف والعادة ، وتعتبر مباشرة المهن الحرة من قبيل الأعمال المدنية وليست تجارية ، وذلك لأن هذه الأعمال غير مسبوقة بشراء ، وما يحققه أصحابها من دخل ناشئ عنها يعد من قبيل الأتعاب وليس من قبيل الأرباح ، فعمل هؤلاء الأشخاص يعتبر مدنيا حتى ولو صاحبته بعض الأعمال الثانوية والمكملة كبيع طبيب الأسنان ما يلزم لعلاج مرضاه من أسنان صناعية .

3- الإنتاج الذهنى :

وهو كل عمل يعد ثمرة للفكر الإنسانى ونتاجا لهذا الفكر كعمل كل من الأديب والمؤلف والمخترع والفنان ، فاستغلال الإنتاج الذهنى لهؤلاء الأشخاص عن طريق بيع المؤلفات أو المخترعات أو اللوحات الفنية أو التماثيل أو الألحان يعد عملا مدنيا وليس من قبيل الأعمال التجارية، وذلك لأنه نتاج فكرهم وما يتمتعون به من مواهب وملكات ذهنية ولم يكن مسبوقا بالشراء، ومن ذلك أيضاً الأنشطة التعليمية التى تباشرها المدارس والتى لا تستهدف الربح .

وعلى العـكـس مـن ذلك يعـتـبـر عمـل الوسيـط الذى يقـدم عمـل المـؤلـف أو المخترع أو الفنان إلى الجمهور عملا تجاريا لأنه يهدف إلى المضاربة من وراء قيامه بهذا العمل ، ومن أمثله هؤلاء الوسطاء الناشرون وشركات توزيع الاسطوانات والكاسيت وشركات الإنتاج السينمائى .

الشرط الثانى - أن ينصب الشراء أو البيع أو الإيجار أو الاستئجار على منقول :

يجب حتى يعتبر الشراء بقصد البيع أو الإيجار أو الاستئجار عملا تجاريا أن ينصب ذلك على منقول أيا كان نوعه ، ماديا كان أو معنويا أو بحسب المآل، فلا يجوز أن يكون محل الشراء أو الاستئجار عقارا لأن بيع العقارات أو تأجيرها يعتبر عملا مدنيا ، ويدخل فى هذه المنقولات المادية السلع والبضائع والمنقولات المعنوية كالأسهم والسندات وبراءات الاختراع والمحال التجارية ، كذلك المنقولات بحسب المآل كشراء منزل لهدمه وبيع أنقاضه أو شراء أشجار بقصد تقطيعها وبيعها كأخشاب .

الشرط الثالث - قصد البيع أو التأجير بغية تحقيق الأرباح :

ولا يكفى أن ينصب الشراء على منقول حتى يعتبر عملا تجاريا ، بل لابد أن يقترن الشراء بقصد البيع أو التأجير بنية تحقيق الربح وقت الشراء وذلك حتى تعتبر هذه العملية من قبيل الأعمال التجارية ، ونية البيع أو التأجير بقصد الربح يجب أن تكون معاصرة للشراء ، أما إذا اشترى شخص سلعا بقصد استهلاكها أو سيارة بقصد اقتنائها ولكن سنحت له بعد ذلك فرصة لبيعها أو تأجيرها وتحقيق ربح من وراء ذلك ، فبيعها أو تأجيرها حينئذ يعد مدنيا وليس تجاريا ، وعلى العكس من ذلك التاجر الذى يشترى عربة لبيعها أو تأجيرها بغية تحقيق الربح ثم يغير رأيه بعد ذلك ويقرر الاحتفاظ بها لاستعماله الشخصى فهذا لا يغير من وصف العملية باعتبارها تجارية بحسب نيته وقت الشراء .

ويعد من قبيل شراء المنقولات بقصد تأجيرها شراء السيارات والخيول والآلات لتأجيرها للغير ، ويستوى لاعتبار الشراء بقصد البيع أو التأجير تجاريا أن ينصب البيع أو التأجير على سلعة بحالتها أو بعد تهيئتها بهيئة أخرى كما لو عبأ التاجر المنتجات فى عبوات صغيرة لتسهيل بيعها أو باع التاجر القمح بعد طحنه وتحويله إلى دقيق .

ثانياً - استئجار المنقولات بقصد تأجيرها :

وفقا للفقرة الثانية من المادة الرابعة تجارى يعتبر من الأعمال التجارية المنفردة استئجار المنقولات بقصد تأجيرها وكذلك تأجير هذه المنقولات ، ويشترط لتجارية هذه الأعمال توافر ثلاثة شروط هى كما يلى :

1- أن تبدأ العملية باستئجار .

2- أن يقع الاستئجار على منقول .

3- أن يكون الاستئجار بقصد إعادة التأجير وتحقيق الربح .

الشرط الأول - أن تبدأ العملية باستئجار :

ويقصد بالاستئجار الحصول على منفعة الشىء بمقابل يستوى فى ذلك أن يكون المقابل نقديا أو عينيا ، فإذا قام شخص بتأجير سيارة أو دراجة تلقاها عن طريق الميراث أو الهبة فلا يعتبر عمله تجاريا ، بل يجب لاعتبار العمل تجاريًا أن يستأجر الشخص المنقول الذى يقوم بتأجيره للغير ، ففى هذا الفرض يتحقق معنى المضاربة كمن يستأجر سيارة بالشهر ويؤجرها باليوم ويحقق ربحًا من فروق الأسعار .

الشرط الثانى - أن يقع الاستئجار على منقول :

وقد أشرنا من قبل إلى معنى المنقول فلا يمتد إلى العقار فمن يستأجر عقارًا ويعيد تأجيره لا يعتبر عمله تجاريا .

ثالثاً - أن يكون الاستئجار بقصد إعادة التأجير :

وذلك لأن إعادة التأجير ينم عن نية المستأجر فى الرغبة فى المضاربة وتحقيق الربح وهى جوهر العمل التجارى ، أما إذا كان استئجار المنقول بقصد الاستعمال الشخصى وغيَّر المستأجر رأيه وأجره بعد ذلك فإن عمله يعتبر مدنيا وليس تجاريا ، وذلك لتخلف نية إعادة التأجير التى يجب أن تكون معاصرة للاستئجار . ولا يعتبر تجاريا استئجار المنقول بقصد إعادة تأجيره فحسب وإنما التأجير الذى يعقب الاستئجار سواء اقترن بربح أم بخسارة فيعتبر تجاريًا أيضاً.

الشرط الثالث - تأسيس الشركات :

وفقا للفقرة الثالثة من المادة الرابعة تجارى يعتبر من الأعمال التجارية المنفردة تأسيس الشركات التجارية .

وسبب إضفاء الصفة التجارية على تأسيس الشركات التجارية هو أنه كثير من الأشخاص تخصصوا فى السنوات الأخيرة فى القيام بهذه الأعمال لما تحققه من أرباح للقائمين بها ، وقد اعتبر المشرع تأسيس الشركات التجارية عملا تجاريا بصرف النظر عن شكل الشركة أو موضوعها أى سواء كانت الشركة من شركات الأشخاص أو الأموال أو ذات الطبيعة المختلطة وسواء كان موضوع نشاط الشركة مدنيا أو تجاريا فالتأسيس فى الحالتين يعتبر عملا تجاريا ولو وقع مرة واحدة وبصرف النظر عن صفة القائم به تاجرا كان أو غير تاجر.

ويقصد بتأسيس الشركة مجموعة الأعمال التى تؤدى فى النهاية إلى خلق المشروع ، فالمؤسس هو الشخص الذى يأخذ على عاتقه المبادرة من أجل إنشاء الشركة سواء من حيث جمع الشركاء أو الأموال أو استيفاء كافة الإجراءات الإدارية والقانونية الضرورية من أجل الوصول إلى تأسيس الشركة وإخراجها إلى حيز الوجود .

رابعاً- الأعمال التجارية المتعلقة بالملاحة التجارية بحرية كانت أو جوية:

وفقاً للمادة السادسة من قانون التجارة يعد عملا تجاريا كل عمل يتعلق بالملاحة التجارية بحرية كانت أو جوية وعلى وجه الخصوص الأعمال الآتية :

1- بناء السفن أو الطائرات وإصلاحها وصيانتها :

يعتبر هذا العمل تجاريا ولو وقع مرة واحدة ، وهدف المشرع من هذا النص إضفاء الصفة التجارية على إصلاح السفن والطائرات التى تقوم به بعض المصانع لمرات متفرقة دون أن تصل إلى الاحتراف وذلك بسبب ما تحققه هذه الأعمال من أرباح للقائمين بها .

2- شراء أو بيع أو تأجير أو استئجار السفن والطائرات :

يعتبر شراء أو بيع أو تأجير أو استئجار السفن أو الطائرات عملا تجاريا ولو وقع مرة واحدة وأيا كانت صفة القائم بالعمل تاجرا أو غير تاجر ، ولكن يشترط فى شراء أو بيع السفينة أو الطائرة حتى يكون تجاريا أن تتوافر له نية المضاربة وتحقيق الربح ، فمن يشترى أو يستأجر سفينة أو طائرة لأغراض البحث العلمى أو النزهة فلا يعتبر عملا تجاريا ، كذلك من يبيع سفينة أو طائرة تلقاها عن طريق الميراث لا يعتبر عمله تجاريا .

3- شراء أدوات أو مواد تموين السفن أو الطائرات :

يعتبر وفقا للمادة السادسة / جـ من قانون التجارة عملا تجاريا ولو وقع مرة واحدة وبصرف النظر عن صفة القائم بالعمل تاجرا كان أو غير تاجر شراء كل ما يلزم للرحلة البحرية أو الجوية من أدوات لازمة لتجهيز الرحلة كالأهلاب وقوارب النجاة أو الوقود أو أى مواد لازمة لتموين الرحلة بحرية كانت أو جوية كالطعام والمياه والمشروبات اللازمة للطاقم والركاب .

4- النقل البحرى والجوى :

يعتبر كل من النقل البحرى والجوى عملا تجاريا ولو وقع مرة واحدة وبصرف النظر عن صفة القائم بالعمل تاجرا كان أو غير تاجر وذلك خلافا للنقل البرى والنهرى اللذين اعتبرهما المشرع التجارى من قبيل الأعمال التجارية إذا وقعا على وجه الاحتراف أو اتخذا شكل المشروع المنظم ، ولا ندرى فى الواقع ما سبب هذه التفرقة فالغالب أن يقع النقل بريا كان أو بحريا أو جويا على وجه الاحتراف ويتخذ شكل المشروع، فكان ينبغى توحيد الحكم بالنسبة لكل أشكال النقل واعتباره تجاريا إذا اتخذ شكل المقاولة أو المشروع ، لأن النقل بأشكاله الثلاثة غالبا ما يتم فى شكل مشروع منظم ولا يتم بصورة منفردة إلا نادرا أو اعتباره تجاريا ولو وقع مرة واحدة ، سواء أكان بريا أم نهريا أم بحريا أم جويا وفى الحالة الأخيرة كان النقل سوف يصبح تجاريا من باب أولى إذا تم على وجه الاحتراف .

5- عمليات الشحن والتفريغ :

ويقصد بها وضع البضائع على أدوات النقل برية أو نهرية أو بحرية أو جوية أو إنزالها منها ، وتعتبر هذه الأعمال تجارية ولو وقعت مرة واحدة وبصرف النظر عن صفة القائم بالعمل ، وهدف المشرع من هذا النص أن يبسط تطبيق القانون التجارى على أعمال الشحن والتفريغ سواء قامت بها مكاتب أو شركات تحترف القيام بهذا العمل كما هو الوضع الغالب ، أو قام بها بعض الأشخاص أو المكاتب بصفة استثنائية أو متفرقة بجانب أعمالهم الأصلية، كما لو قامت بها مثلا مكاتب التخليص الجمركى لمرات متفرقة بجانب نشاطها الأصلى وذلك رغبة فى حماية المتعاملين مع هؤلاء الأشخاص وإخضاعهم لأحكام القانون التجارى.







6- استخدام الملاحين أو الطيارين أو غيرهم من العاملين فى السفن والطائرات :

وفقاً للمادة السادسة فقرة/هـ يعتبر تجاريا ولو وقع مرة واحدة عقود العمل مع الملاحين سواء على ظهر السفن أو الطائرات من أفراد الطاقم والبحارة وغيرهم من العاملين على ظهر السفينة أو الطائرة .

فلو أن شخصًا طبيعيًا أو معنويًا جهز سفينة أو طائرة وأبرم لذلك عدد من العقود مع رجال الطاقم البحرى أو الجوى أو مع غيرهم من العاملين على ظهر السفينة أو الطائرة فإن هذه العقود تعتبر تجارية بالنسبة لمجهز السفينة أو مستأجرها وكذلك بالنسبة لمجهز الطائرة أو مستأجرها ولو وقعت مرة واحدة ، أما بالنسبة للعاملين على السفينة أو الطائرة فالعقد بالنسبة لهم يعتبر مدنيا وليس تجاريا تطبيقا للقواعد العامة ، ويعتبر العقد مدنيا بالنسبة للطرفين إذا كانت السفينة أو الطائرة تستخدم فى النزهة أو الأغراض العلمية .










 3) المقاولات التجارية.







المقـاولات التى نـص عليها القانـون الحـالى

وكانت معروفة فى ظل قانون التجارة الملغى .

المطلب الأول

مقاولة توريد البضائع والخدمات

يقصد بعقد التوريد العقد الذى يلتزم فيسه شخص يسمى المتعهد بتسليم شخص آخر (يسمى المستفيد أو المشترى) أو يضع تحت تصرفه كمية من السلع أو الخدمات فى فترات دورية منتظمة وذلك خلال مدة معينة ولقاء مبلغ معين .

والتعهد بالتوريد يعتبر وفقا للمادة الخامسة فقرة (أ) عملا تجاريا إذا اتخذ شكل المشروع أو تم على وجه المقاولة .

والتعهد بالتوريد قد ينصب على توريد سلع كالتعهد بتوريد اللحوم والمواد الغذائية للجيش أو المستشفيات أو التعهد بتوريد الملابس للمسارح ، وقد ينصب على توريد خدمات كالتعهد بتوريد الغاز والكهرباء واشتراكات المجلات والصحف . واحتراف التوريد يعتبر تجاريا سواء قدم المتعهد السلع على سبيل البيع أو على سبيل التأجير ، كما هو الحال فى تقديم الملابس والمناظر للمسارح ثم استردادها بعد ذلك ، كذلك يعتبر التعهد بالتوريد عملا تجاريا سواء انصب التوريد على سلع سبق للمتعهد شراؤها قبل توريدها أم لم يسبق له ذلك ، كما لو كانت من إنتاجه كتوريد المزارع لما ينتجه من محاصيل زراعية لأن التجارية تنصب على تكرار العمل واحترافه وليس على بيع السلع والخدمات .

المطلب الثانى

مقاولة الصناعة

يقصد بالصناعة تحويل المواد الأولية إلى مواد نصف مصنعة كتحويل القطن إلى خيوط عن طريق الغزل ، أو تحويل المواد الأولية والمنتجات نصف المصنوعة إلى سلع تامة الصنع قادرة على إشباع الحاجات الإنسانية، كصناعة السكر والنسيج والآلات وتكرير البترول.

وقد توسع القضاء فى مفهوم الصناعة فلم يقصره على تحويل المواد الأولية إلى مواد نصف مصنعة أو تامة الصنع قادرة على إشباع الحاجات الإنسانية فحسب ، بل جعله يمتد إلى الحالات التى تتناول الأشياء بالتعديل أو الإصلاح بحيث تحتفظ بقيمتها أو تزيد منها ، أو تجعلها تحقق منفعة جديدة ، ومن أمثلة ذلك غسل الملابس وكيها وإصلاح الساعات والسيارات والأدوات الكهربائية والطباعة ، فمثل هذه الأعمال تعتبر فى الفقه الحديث من قبيل الصناعة وتكتسب الصفة التجارية .

ويستوى لاعتبار الصناعة عملا تجاريا أن يشترى صاحب المصنع المواد الأولية المراد صنعها أو تقدم له من الغير ليقوم بصناعتها سواء لحسابه أو لحساب هذا الغير ، كذلك يستوى أن تكون الصناعة مسبوقة بشراء المواد الأولية أو تكون المواد الأولية من إنتاج صاحب المصنع نفسه مادام أن عملية التصنيع تمت على وجه الاحتراف واتخذت شكل المشروع المنظم .

الفرق بين مقاولة الصناعة ومباشرة الحرف اليدوية :

يختلف المشروع الصناعى عن العمل الحرفى من ناحيتين : الأولى هى أن المشروع الصناعى يعتمد أساساً فى نشاطه على عدد من العمال وقدر من المواد الأولية والآلات والمهمات تختلف حسب أهمية هذا المشروع وضخامته فى حين يعتمد الحرفى فى نشاطه على مجهوده البدنى أو اليدوى وعمل أسرته أو عمل عدد محدود من الصبية والأدوات ، ومن أمثلة الحرفيين النجار والحداد والخياط ، والناحية الثانية هى أن المشروع الصناعى يقوم على فكرة المضاربة والرغبة فى تحقيق الربح ، أما الحرفى فيسعى إلى كسب الرزق ولا يسعى إلى المضاربة ويعد عمله فى هذا الخصوص عملا مدنيا وليس تجاريا ، وقد نصت المادة السادسة عشرة من قانون التجارة الحالى على استثناء الحرفيين من الخضوع لأحكام القانون التجارى بقولها « لا تسرى أحكام القانون التجارى على أرباب الحرف الصغيرة » .
















 4) مقاولات الوكالة التجارية.







مقاولة الوكالة التجارية

وفقاً للمادة الخامسة فقرة (د) تعتبر تجارية إذا وقعت على وجه الاحتراف الوكالة التجارية أيا كان نوعها وكالة بالعمولة أو وكالة العقود .

أولاً - الوكالة بالعمولة :

هى عقد يلتزم بمقتضاه شخص يسمى الوكيل بالعمولة بالقيام بعمل قانونى باسمه الخاص لحساب موكله لقاء أجر متفق عليه أو جرى العرف على تحديده يسمى بالعمولة .

والوكالة بالعمولة عقد يكثر وقوعه فى الحياة التجارية ، فكثيرا ما يلجأ تجار التجزئة للوكلاء بالعمولة لشراء ما يلزمهم من السلع من المنتجين أو تجار الجملة ، وكذلك يقوم الوكلاء بالعمولة ببيع الأوراق المالية فى البورصة بأسمائهم لحساب عملائهم ، فالوكيل بالعمولة يعقد الصفقة باسمه ويظهر كطرف فيها مع المتعاقد الآخر ولكن الصفقة تكون فى الواقع لحساب موكله .

وتختلف الوكالة بالعمولة عن الوكالة العادية فى أن الوكيل العادى يتعاقد باسم ولحساب موكله فهو يتعامل مع الغير المتعاقد معه بصفته وكيلا لا أصيلا، وما ينشأ عن العقد من حقوق والتزامات ينصرف إلى الموكل مباشرة دون الوكيل ، وذلك على عكس الحال فى الوكالة بالعمولة إذ يتعاقد الوكيل باسمه وليس باسم الموكل ولكن لحساب هذا الأخير ، وهو قد يعلن اسم الموكل أو يخفيه ، وقد يخفى صفته كوكيل ويتعاقد بصفته أصيلا فى العقد الذى يبرمه مع الغير فيتحمل نتيجة لذلك الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد الذى يوقعه ثم ينقل آثار هذا العقد بعد ذلك إلى الموكل .

هذا فضلاً عن أن الوكالة العادية تكون غالبا مجانية، أى على سبيل التبرع بعكس الوكالة بالعمولة فهى تتم لقاء أجر أو عمولة معينة يحددها الاتفاق أو العرف.

وتختلف أيضا الوكالة بالعمولة عن السمسرة ، فبينما يقتصر دور السمسار على التقريب بين المتعاقدين بغية إبرام العقد بينهما دون أن يكون طرفا فى العقد الذى يتوسط فى إبرامه ، ولا يسأل عن تنفيذ الحقوق والالتزامات الناشئة عنه نجد الوكيل بالعمولة يكون طرفا أصليا فى العقد الذى أبرمه ومسئولا عن تنفيذ الحقوق والالتزامات الناشئة عنه ، وتتفق كل من الوكالة بالعمولة ووكالة العقود مع السمسرة بأن كلا منهم ، وفقا لقانون التجارة الجديد ، لا يكتسب الصفة التجارية إلا إذا تم على وجه الاحتراف واتخذ شكل المشروع .

وتتفق كل من الوكالة بالعمولة والسمسرة فى اكتسابها الصفة التجارية بصرف النظر عن طبيعة الصفقة التى يتم التوسط فيها أو إبرامها مدنية كانت كشراء العقارات أو تأجيرها أو تجارية كتصريف منتجات أحد المصانع ، وذلك لأن الصفة التجارية تستمد من عملية التوسط ذاتها واحتراف الشخص القائم بها وليس من طبيعة العملية التى يتم التوسط فيها .

ثانياً - وكالة العقود :

تعريف :

وكالة العقود هى عقد يلتزم بموجبه شخص معين يسمى بالوكيل التجارى بأن يتولى على وجه الاستمرار وفى منطقة نشاط معينة الترويج والتفاوض وإبرام الصفقات باسم الموكل ولحسابه مقابل أجر أو عمولة ، ويجوز أن تشمل مهمة الوكيل تنفيذ الصفقات باسم الموكل ولحسابه (م177 تجارة) .

ويشترط لاكتساب وكيل العقود الصفة التجارية أن يباشر عمله بصفة دائمة وعلى وجه الاحتراف ، ويجوز مباشرة وكالة العقود من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين ، كالشركات ، ولا يجوز للموكل أن يستعين بأكثر من وكيل عقود واحد فى ذات المنطقة ولذات الفرع من النشاط ، كما لا يجوز لوكيل العقود أن يكون وكيلا لأكثر من منشأة تمارس ذات النشاط وفى ذات المنطقة وذلك كله ما لم يتفق الطرفان صراحة على غير ذلك .

ويترتب على اعتبار وكيل العقود تاجرا خضوعه لالتزامات التجار كمسك الدفاتر التجارية والقيد فى السجل التجارى والخضوع لنظام الإفلاس ، كما يلتزم بالالتزامات المتعلقة بمباشرة مهنة الوكالات التجارية.




























 5) السمسرة – عمليات البنوك – الأعمال التجارية على وجه المقاولة.

المطلب الأول

السـمسـرة

مفهوم السمسرة :

يقصد بالسمسرة الوساطة بين شخصين بغية التقريب بينهما من أجل إبرام عقد معين وذلك لقاء عمولة يحددها الاتفاق أو العرف .

وعمل السمسار يقتصر على التقريب بين المتعاقدين بقصد إبرام عقد معين، وينتهى دوره عند انعقاد العقد ، ويستحق السمسار عمولته عند إبرام العقد بناء على وساطته حتى لو فسخ العقد أو بطل بعد ذلك ، ويطلق على أجر السمسار عمولة أو سمسرة وهى تختلف بحسب العرف والعادات التجارية ، ويدفعها المتعاقد الذى كلف السمسار بالبحث عن متعاقد آخر أو المتعاقدين معا .

تجارية السمسرة :

تعتبر السمسرة عملا تجاريا إذا تمت مزاولتها على وجه الاحتراف وذلك خلافا لقانون التجارة الملغى الذى كان يعتبرها تجارية ولو وقعت مرة واحدة ، والسمسرة تعتبر تجارية دائما بالنسبة للسمسار أيا كانت طبيعة العملية التى يتوسط فيها ، أما بالنسبة للعميل فالأمر يختلف ، فهى قد تكون تجارية أو مدنية بحسب طبيعة الصفقة التى يتم التوسط فيها تطبيقا لنظرية التجارية بالتبعية .

المطلب الثانى

عمليات البنوك والصرافة

أولاً - عمليات البنوك :

1- مفهوم عمليات البنوك :

يقصد بعمليات البنوك كافة الخدمات المصرفية التى تقدمها البنوك للعملاء لقاء أجر أو عمولة ، ومن هذه الخدمات قبول الودائع ومنح القروض وفتح الحسابات الجارية وفتح الاعتمادات العادية والمستندية وتأجير الخزائن .

2- تجارية عمليات البنوك :

تعتبر عمليات البنوك وفقا لقانون التجارة الحالى المادة 5/و تجارية إذا تمت مزاولتها على وجه الاحتراف واتخذت شكل المشروع المنظم، وذلك خلافا للقانون التجارى الملغى الذى كان يعتبرها تجارية ولو وقعت مرة واحدة، وعمليات البنوك تعتبر تجارية دائما بالنسبة للبنك بغض النظر عن طبيعة العملية مادية كانت أو تجارية ، أما بالنسبة للعميل فهى قد تكون تجارية إذا كانت لسد حاجات التجارة أو من مستلزماتها كالحصول على قرض لبناء مصنع أو استيراد قطع غيار للاتجار فيها وقد تكون مادية كالحصول على قرض لبناء مسكن أو لشراء سيارة للاستعمال الشخصى .

ثانياً - عمليات الصرافة :

1- مفهوم عمليات الصرافة :

الصرافة قد تكون يدوية أو مسحوبة ويقصد بالصرافة اليدوية مبادلة النقود الوطنية بالنقود الأجنبية فى مكان وزمان واحد كمبادلة الجنيه المصرى بالدولار الأمريكى فى نفس المكان ، أما الصرافة المسحوبة فهى تتم بدفع عملة معينة وطنية كانت أو أجنبية فى مكان وزمان معينين مع تعهد ممن تلقى هذه العملة بأداء ما يعادلها بعملة أجنبية فى مكان وزمان آخرين كمبادلة النقود المصرية التى تدفع بمصر بالنقود الأمريكية التى تعادلها فى القيمة فى الولايات المتحدة الأمريكية وذلك فى حدود القيمة التى تلقاها الصراف أو البنك ولقاء عمولة متفق عليها .

2- تجارية عمليات الصرافة :

تعتبر عمليات الصرافة تجارية إذا تمت مزاولتها على وجه الاحتراف، وذلك وفقا للمادة الخامسة فقرة (و) من قانون التجارة الحالى ، وخلافا لقانون التجارة الملغى الذى كان يعتبرها تجارية ولو وقعت مرة واحدة . والصرافة تعتبر تجارية دائما بالنسبة للصراف وحده إذا تم مباشرتها على وجه الاحتراف أما بالنسبة للطرف الآخر فى عقد الصرافة فلا تعتبر الصرافة تجارية إلا إذا كانت صادرة من تاجر لسد حاجات تجارته أو كانت من مستلزماتها طبقا لنظرية التجارية بالتبعية.



المبحث الثالث

الأعمال التجارية على وجه المقاولة

والتى جاء بها قانون التجارة الحالى (رقم 17 لسنة 1999)

ولم تكن معروفة فى ظل القانون الملغى

أضاف قانون التجارة الحالى طائفة جديدة من الأعمال التجارية على وجه المقاولة لم تكن معروفة وفقا لأحكام قانون التجارة الملغى ، وهذه الأعمال قد ورد ذكرها فى المادة الخامسة من القانون ، وهى كما يلى :

1- التأمين على اختلاف أنواعه برى أو بحرى أو جوى بشرط الاشتغال بالتأمين على وجه الاحتراف .

2- استيداع البضائع ووسائط النقل والمحاصيل وغيرها على أن تتم مزاولتها على وجه الاحتراف .

3- أعمال الدور والمكاتب التى تعمل على وجه الاحتراف فى مجالات النشر والطباعة والتصوير والكتابة وغيرها ، والترجمة والإذاعة والتليفزيون والصحافة ، ونقل الأخبار والبريد والاتصالات والإعلان .

4- الاستغلال التجارى على وجه الاحتراف لبرامج الحاسب الآلى والبث الفضائى عبر الأقمار الصناعية .

5- مباشرة الأعمال الاستخراجية لمواد الثروات الطبيعية كالمناجم والمحاجر ومنابع النفط والغاز وغيرها على أن يتم ذلك على وجه الاحتراف .

6- مشروعات تربية الدواجن والمواشى وغيرها بقصد بيعها .

7- تشييـد العقـارات أو شـراؤهـا أو استئجـارها وبيعها أو تأجيرها كاملة أو مجزأة إلى شقق أو غرف أو وحدات إدارية أو تجارية سواء أكانت مفروشة أم غير مفروشة بشرط أن تتم على وجه الاحتراف .

8- توزيع المياه أو الغاز أو الكهرباء وغيرها من مصادر الطاقة على أن يتم ذلك على وجه الاحتراف .






 6) شروط اكتساب وصف التاجر.




شروط اكتساب صفة التاجر

المبحث الأول

مزاولــة الأعمــال التجــاريـة

تنص المادة العاشرة من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 على أن يكون تاجرا كل من يزاول على وجه الاحتراف باسمه ولحسابه عملا تجاريا .

وعلى ذلك يشترط لاكتساب صفة التاجر مباشرة الأعمال التجارية الأصلية الواردة فى المواد الرابعة والخامسة والسادسة من قانون التجارة (كالشراء بقصد إعادة البيع أو التأجير وتأسيس الشركات) ، يستوى فى ذلك أن تكون هذه الأعمال تجارية ولو وقعت منفردة أو يشترط لتجاريتها وقوعها على وجه الاحتراف أو اتخاذها شكل المشروع (كالوكالة بالعمولة والصناعة والتوريد ... إلخ) .

وكذلك الأعمال التى يمكن قياسها على الأعمال التجارية الأصلية ، أما الأعمال التجارية بالتبعية وهى أعمال فى الأصل مدنية يباشرها التاجر لسد حاجات تجارته أو بمناسبتها فلا تكفى لاكتساب الشخص صفة التاجر لأنها تتطلب اكتساب صفة التاجر ابتداء وهو ما لم يتحقق بعد .

ويشترط وفقاً للرأى الراجح لاكتساب صفة التاجر أن تكون الأعمال التى يباشرها التاجر أعمالا مشروعة لا تتعارض مع النظام العام وحسن الآداب، أما الأعمال غير المشروعة كالاتجار فى الممنوعات وإن كانت لا تكسب الشخص صفة التاجر من الناحية القانونية لأن هذه الصفة لا تثبت

إلا لمن يباشر أعمالا مشروعة ، فإنها تكسبه صفة التاجر من الناحية الواقعية ، حماية للغير حسن النية الذى لا يعلم حقيقة نشاط التاجر غير المشروع والذى يجوز له - استنادًا لحسن نيته - التمسك بشهر إفلاس التاجر الذى يزاول نشاطًا غير مشروع اعتمادا على هذا الوضع الفعلى .










المبحث الثانى

احتـراف الأعمـال التجاريـة

يشترط لاكتساب الشخص صفة التاجر ألا يباشر الأعمال التجارية فحسب بل يحترف مباشرة هذه الأعمال أى يتخذها حرفة معتادة له (مادة (1) تجارى).

ويقصد بالاحتراف فى هذا الصدد توجيه النشاط بشكل رئيسى ومعتاد إلى عمل معين بغية الكسب أو الارتزاق من وراء هذا العمل .

فاحتراف التجارة يعنى مباشرة الأعمال التجارية بشكل رئيسى ومعتاد بغية الكسب أو الارتزاق من وراء هذه الأعمال .

ويختلف الاحتراف عن الاعتياد على مباشرة الأعمال التجارية ، فمن يعتاد القيام ببعض الأعمال التجارية كالشراء بقصد البيع أو السمسرة لمرات متفرقة لا ينشأ معها ركن الاحتراف لا يعتبر تاجرًا من جراء هذا الاعتياد لأنه لا يتوافر بالنسبة له ركن الاحتراف وهو الارتزاق من وراء هذا العمل .

ولكن لا يشترط لتوافر ركن الاحتراف أن تكون التجارة هى النشاط الوحيد للتاجر ، فمن الجائز أن يباشر الشخص التجارة والزراعة أو التجارة والاشتغال بالوظائف أو المهن الحرة ، المهم أن تكون التجارة هى النشاط الرئيسى الذى يخصص له الشخص معظم وقته ويحقق منه معظم دخله .

ومتى ثبت فى حق الشخص ركن احتراف التجارة كان تاجرا بصرف النظر عن حجم رأسماله أو وجود محل له يمارس فيه التجارة ، فالقانون التجارى لا يفرق بين كبار التجار وصغارهم فى الخضوع لأحكام القانون التجارى ، وذلك باستثناء الالتزام بمسك الدفاتر التجارية والقيد فى السجل التجارى ، وقد أعفى المشرع صغار التجار من هذه الالتزامات . كذلك يعتبر تاجرا من ثبت فى حقه احتراف التجارة ولو كان من الأشخاص المحظور عليهم مباشرة التجارة بمقتضى قوانين أو لوائح أو أنظمة خاصة (م17 من قانون التجارة) كأساتذة الجامعات والقضاة وضباط الشرطة .

متى تكتسب الشركة صفة التاجر ؟

تنص المادة العاشرة فقرة 2 من قانون التجارة على أن يكون تاجرا كل شركة تتخذ أحد الأشكال المنصوص عليها فى القوانين المتعلقة بالشركات أيا كان الغرض الذى أنشئت الشركة من أجله .

ومقتضى هذا النص أن المشرع فى قانون التجارة الحالى خلافا لقانون التجارة الملغى تخلى عن المعيار الموضوعى للتمييز بين الشركات التجارية والشركات المدنية وتبنى المعيار الشكلى معتبرا الشركة تجارية إذا اتخذت أحد الأشكال المنصوص عليها فى القوانين المتعلقة بالشركات وهى شركات : المساهمة ، التوصية بالأسهم ، المسئولية المحدودة ، شركة التضامن ، التوصية البسيطة أيا كان الغرض الذى أنشئت من أجله الشركة .

وكان الأفضل فى نظرنا ألا يتجه المشرع من المعيار الموضوعى إلى المعيار الشكلى مرة واحدة وإنما يمزج بين المعيارين أسوة بالتشريع الفرنسى وبعض التشريعات العربية ويعتبر الشركة تجارية بحسب موضوعها أو شكلها .

ولا تثبت صفة التاجر للدولة وغيرها من أشخاص القانون العام ، ومع ذلك إذا زاولت الدولة أو إحدى الشركات التى تملكها التجارة فتسرى أحكام القانون التجارى على الأعمال التى تزاولها إلا ما يستثنى بنص خاص (م20 من قانون التجارة) .

مدى خضوع أرباب الحرف الصغيرة للقانون التجارى :

استثنى قانون التجارة الحالى أرباب الحرف الصغيرة من الخضوع لأحكام القانون التجارى (المادة 16/1 من قانون التجارة) ويقصد بأرباب الحرف الصغيرة كل من يزاول حرفة ذات نفقات زهيدة للحصول على مقدار من الدخل يؤمن معاشه اليومى (م16/2 تجارى) ، ومن أمثلة أرباب الحرف الصغيرة الخياط والنجار الحداد والسباك ، فهؤلاء الأخيرون لا يعفون من اكتساب صفة التاجر فحسب بل أيضاً من الخضوع لأحكام القانون التجارى برمتها ، فهم يعتبرون من غير التجار ويخضعون فى نشاطهم لأحكام القانون المدنى .

إثبات الاحتراف :

احتراف التجارة كركن أساسى لاكتساب صفة التاجر يعد من المسائل المادية التى يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات ، وهناك بعض القرائن تشير إلى ثبوت هذه الصفة كقيد التاجر فى السجل التجارى أو مسكه الدفاتر التجارية أو قيده بكشوف الانتخابات بالغرفة التجارية ، إلا أن هذه القرائن تعتبر مجرد قرائن بسيطة يجوز إثبات عكسها ، وعلى العكس يعتبر الشخص تاجرًا ولو لم يكن مقيدا فى السجل التجارى أو لم يراع الالتزام بمسك الدفاتر التجارية إذ تثبت فى حقه مباشرة التجارة بطريقة فعلية ، وقد أقام قانون التجارة قرينة قانونية على افتراض صفة التاجر فيمن ينتحل هذه الصفة سواء بالإعلان عنها فى الصحف أو فى منشورات أو فى الإذاعة أو التليفزيون أو بأية وسيلة أخرى (193 من القانون) ، ولكن هذه القرينة تعد قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها من كل ذى مصلحة ، فيجوز نفى هذه القرينة بإثبات أن من انتحل الصفة المذكورة لم يزاول التجارة فعلا ، أو أنه قد اعتزل التجارة من وقت بعيد .







المبحث الثالث

مزاولة النشاط التجارى باسم التاجر ولحسابه

وفقا للمادة الأولى من قانون التجارة يشترط لاكتساب صفة التاجر أن يزاول الشخص النشاط التجارى على وجه الاحتراف باسمه ولحسابه .

ويقصد بمباشرة التاجر النشاط التجارى باسمه أن يكون مسئولا عن مباشرة هذا العمل أمام الغير، أى يباشر العمل التجارى بوصفه أصيلا لا وكيلا، أما إذا باشر العمل بصفته وكيلا كمديرى الشركات والمحلات التجارية فلا يعتبر تاجرا، وإنما صفة التاجر تثبت للموكل أو صاحب المحل التجارى وليس للوكيل، ويجب على التاجر أيضا أن يباشر التجارة لحسابه الشخصى بحيث يتحمل وحده نتائجها سواء حققت له ربحا أو كبدته خسارة ، فالتجارة تقوم على الائتمان ، والائتمان شخصى بطبيعته ، هكذا يكون استقلال التاجر فى مباشرة نشاطه أو تحمله مخاطره .

وعلى ذلك لا يعتبرون تجارا فى نظر القانون لتخلف الاستقلال فى مباشرة التجارة مستخدمو المحال التجارية ، ومديرو الشركات التجارية ، وأعضاء مجالس إدارتها ومديرو الفروع وربابنة السفن رغم قيامهم فعلا بأعمال تجارية، وذلك لأنهم لا يباشرون هذه الأعمال باسمائهم أو لحساباتهم الخاصة بل باسم أرباب الأعمال ولحساباتهم ، أيضا من يقوم بالتجارة لحساب القاصر أو المحجور عليه كالولى أو الوصى أو القيم لا يكتسب أى منهم صفة التاجر لأنهم يباشرون التجارة لحساب القاصر ، كذلك فى الفرض الذى نكون فيه أمام شخصين أحدهما ظاهر يباشر التجارة فعلاً أمام الغير ومعروف لديه والآخر خفى ومستتر تتم التجارة لحسابه وغير معروف لدى الغير ، فإلى من تثبت صفة التاجر : للشخص الظاهر أم للشخص المستتر ؟

الراجح فقها وقضاء والذى نص عليه القانون الحالى فى المادة الثامنة عشرة هو ثبوت صفة التاجر لكل من الشخص المستتر والظاهر ؛ أما الأول فهو وإن كان لا يمارس النشاط باسمه إلا أن الاتجار يتم لحسابه وهو الذى يجنى ثماره فى النهاية ربحا كان أو خساره ، أما الثانى أو الشخص الظاهر فإنه وإن كان لا يقوم بالعمل لحسابه إلا أنه ظهر أمام الغير بمظهر التاجر وتعامل معه على هذا الأساس ، فيجب أن يعتبر تاجرا تأسيسا على ذلك وحماية للوضع الظاهر والثقة الناشئة عنه .

أما إذا باشر الشخص التجارة باسم مستعار وهنا نفرق بين فرضين :

الأول : إذا كان الاسم المستعار لا وجود له فى الواقع وحينئذ تثبت صفة التاجر لمن باشر التجارة فعلا وتحمل مخاطرها .

والثانى: إذا كان هناك من يحمل هذا الاسم المستعار وحينئذ يكتسب هذا الأخير صفة التاجر إذا كان يعلم فعلا بمباشرة التجارة باسمه حماية للوضع الظاهر ، أما إذا كان لا يعلم بذلك أو أعلن رفضه له بمجرد علمه به فتثبت صفة التاجر لمن يباشر التجارة فعلا دون غيره .

ويتفرع عن ضرورة مزاولة التاجر التجارة باسمه ولحسابه الخاص مبدأ المسئولية غير المحدودة للتاجر عن أعماله التجارية ، فالتاجر هو من يغامر بذمته المالية بأكملها فى نشاطه التجارى ، فلا يجوز للتاجر أن يقتطع جزءاً من ذمته ويخصصه لمباشرة نشاطه التجارى بحيث يكون مسئولا فى حدود هذا الجزء فحسب ، فذلك يتعارض مع مبدأ وحدة الذمة الذى يتبناه المشرع المصرى . وعلى ذلك لا تثبت صفة التاجر لكل من الشريك الموصى والشريك المساهم والشريك فى الشركة ذات المسئولية المحدودة لأن مسئولية هؤلاء الشركاء محدودة بقدر الحصة التى قدمها للشركة .

وعلى العكس يعتبر تاجرا الشريك المتضامن فى شركة التضامن أو فى شركة التوصية بنوعيها سواء اشترك فى الإدارة أم لم يشترك .



المبحث الرابع

الأهلية التجارية

يشترط لمباشرة التجارة فضلا عن الشروط السابقة ضرورة توافر الأهلية التجارية فيمن يحترف التجارة ، وتميز المادة الحادية عشرة من قانون التجارة بصدد الأهلية بين ثلاثة فروض :

الفرض الأول : يتعلق بأهلية الراشدين. والفرض الثانى : يتعلق بأهلية القصر الذين بلغوا الثامنة عشرة ولم يبلغوا الحادية والعشرين ومن فى حكمهم ، الفرض الثالث : يتعلق بأهلية القصر الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة.

أولاً - أهلية الراشدين :

التجارة تعتبر من أعمال التصرف ، وعلى ذلك يجب أن تتوافر فى التاجر الأهلية اللازمة لمباشرة التصرفات القانونية ، أى يكون بالغا من العمر (إحدى وعشرين سنة) وألا يقوم به عارض من عوارض نقص الأهلية أو انعدامها كالجنون أو العته أو السفه أو الغفلة ، وهذا الحكم عام بالنسبة إلى الراشدين مصريين كانوا أو أجانب ، فيجوز للأجنبى البالغ واحدًا وعشرين عاما مزاولة التجارة فى مصر ولو كان قانون الدولة التى ينتمى إليها بجنسيته يعتبره قاصرا فى هذه السن .

ثانياً - أهلية القصر الذين بلغوا الثامنة عشرة ولم يبلغوا سن الحادية والعشرين :

وفقاً للمادة 11/ب من قانون التجارة يجب على المصرى أو الأجنبى البالغ من العمر الثامنة عشرة عاما الحصول على إذن المحكمة المختصة قبل مزاولة التجارة فى مصر سواء كان الأجنبى رشيدا فى هذه السن أم قاصرا مع مراعاة الشروط والإجراءات الواردة فى قانون الدولة التى ينتمى إليها طالب الاتجار بجنسيته ، وعلى المحكمة أن تتحقق من مراعاة كافة الشروط والإجراءات المطلوبة .

ثالثاً - أهلية القصر الذين لم يبلغوا الثامنة عشر عاما :

لا يجوز وفقا للمادة 11/2 للقاصر الذى لم يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما مصريا كان أو أجنبيا مباشرة التجارة فى مصر ولو كان قانون أحواله الشخصية يعتبره راشدا فى هذه السن ، أو كان يأذن له فى مباشرة التجارة بشروط خاصة ، أما إذا مارس القاصر التجارة رغم هذا المنع وقعت أعماله باطلة إذا كان عديم التمييز (أقل من سبع سنوات) وقابلة للإبطال إذا كان مميزا (عمره سبع سنوات فأكثر) .

جواز الاستمرار فى تجارة قائمة لحساب ناقصى الأهلية :

نظمت المادة 12 من قانون التجارة الحالى على مدى جواز الاستمرار فى تجارة قائمة لناقصى الأهلية بتقرير الحق للمحكمة المختصة فى ضوء ما تقضى به مصلحة ناقصى الأهلية (صغيرا كان أو محجورا عليه) فى إخراج ماله من التجارة أو الإذن بالاستمرار فيها.

فإذا أمرت المحكمة بالاستمرار فى التجارة وجب عليها أن تمنح النائب عن الصغير أو المحجور عليه إذنا مطلقا يمتد لكل أنواع التجارة أو مقيدا للقيام بالتصرفات التى تقتضيها التجارة المأذون بالاستمرار فيها .

وعلى المحكمة فى كل الأحوال أن تراقب تصرفات النائب المأذون بمباشرة التجارة عن ناقصى الأهلية ولها أن تسحب منه الإذن أو تقيده إذا لاحظت إهمالاً أو تقصيراً منه مع مراعاة حقوق الغير حسن النية .

ويجب على ذوى الشأن شهر الإذن بالاتجار أو تقييده أو سحبه فى السجل التجارى رعاية لمصالح الغير حسن النية .

ولا يكتسب النائب المأذون بالاتجار عن ناقصى الأهلية صفة التاجر لأنه لا يزاول التجارة باسمه ولحسابه وإنما باسم ولحساب ناقصى الأهلية ، وإنما الذى يكتسب صفة التاجر هو ناقص الأهلية الذى تتم التجارة لحسابه ويجوز شهر إفلاسه على ألا يشمل الإفلاس الأموال غير المستثمرة فى التجارة ، وفى هذه الحالة لا يترتب على الإفلاس أثر بالنسبة إلى شخص الصغير أو المحجور عليه (م13 من قانون التجارة) .

رابعاً - أهلية المرأة لمزاولة التجارة :

لا تختلف المرأة عن الرجل فى أهليتها لمزاولة التجارة سواء أكانت راشدة ولا يعتريها عارض من عوارض الأهلية ، أم بلغت الثامنة عشرة ولم تبلغ سن الرشد ، أو كانت فى سن أقل من ذلك ، فتسرى عليها سائر الأحكام السابق ذكرها بالنسبة للرجل ، فلها أن تمارس التجارة إذا بلغت من العمر إحدى وعشرين عاماً ولم يعترها عارض من عوارض الأهلية ، ولها أيضاً ممارسة التجارة إذا بلغت من العمر ثمانية عشر عاماً بعد استيفاء الشروط الواردة فى قانون أحوالها الشخصية وبعد حصولها على إذن من المحكمة المختصة وفى حدود هذا الإذن ، كما لا يجوز لها مباشرة التجارة فى مصر إذا كان سنها أقل من ثمانية عشر عاماً ، وكل ذلك مشروط بأن تكون المرأة غير متزوجة كما لو كانت بنتاً أو أرملة أو مطلقة أو منفصلة بدنياً عن زوجها .

أما إذا كانت المرأة متزوجة فيكون المرجع فى تحديد أهليتها هو قانون أحوالها الشخصية وما يفرضه من شروط فى هذا الخصوص ، وقد نصت على ذلك المادة الرابعة عشرة من قانون التجارة بقولها : « ينظم أهلية المرأة المتزوجة لمزاولة التجارة قانون الدولة التى تنتمى إليه بجنسيتها» .

فإذا كان قانون الأحوال الشخصية للزوجة مصرية كانت أو أجنبية يعطيها الحق فى مباشرة التجارة دون اشتراط إذن الزوج أو المحكمة كما هو الحال فى القانون المصرى كان لها ذلك ، وإذا كان يستلزم لمزاولتها التجارة ضرورة الحصول على إذن الزوج أو المحكمة وجب مراعاة ذلك أيضاً .

ومن الجدير بالذكر أن قانون الأحوال الشخصية المصرى لم يقيد المرأة متزوجة كانت أم لا بأى شرط لمزاولة التجارة ، فهى كالرجل فى هذا الخصوص ، وقد حرص المشرع على تجنيب الزوجة تعسف الزوج فى الفرض الذى يشترط فيه قانون أحوالها الشخصية إذن الزوج لمزاولتها التجارة، وذلك عن طريق إقامة قرينة قانونية لصالحها فى المادة 14/2 مقتضاها افتراض احتراف الزوجة الأجنبية للتجارة فى مصر بإذن زوجها ، فإذا كان القانون الواجب التطبيق يجيز للزوج الاعتراض على احتراف زوجته التجارة أو سحب إذنه السابق وجب قيد الاعتراض أو سحب الإذن فى السجل التجارى ونشره فى صحيفة السجل ، ولا يكون للاعتراض أو سحب الإذن أثر إلا من تاريخ إتمام هذا النشر ، وقد قرر المشرع المصرى حماية للغير حسن النية الذى تعامل مع التاجرة الأجنبية التى زاولت التجارة بغير إذن زوجها أو رغم اعتراضه عدم تأثير الاعتراض أو سحب الإذن فى الحقوق التى اكتسبها الغير بحسن نية .






 7) الالتزامات القانونية للتجار.




تمهيد :

يترتب على اكتساب الشسخص صفة التاجر التزامه بعدة التزامات مهنية تتعلق بممارسة الحرفة التجارية وتنظيم سيرها ، ومن هذه الالتزامات ما يفرضه التقنين التجارى نفسه كالالتزام بشهر النظام المالى للزواج والالتزام بمسك الدفاتر التجارية ، ومنها ما تفرضه القوانين المكملة للتقنين التجارى كالقانون رقم 34 لسنة 1976 ، والذى يفرض على التجار القيد فى السجل التجارى ، وسوف ندرس هذه الالتزامات فى ثلاثة مباحث مخصصين لكل منها مبحثاً مستقلاً .

المبحث الأول

الالتـزام بشهـر النظـام المـالـى للـزواج

قد تضمن قانون التجارة الحالى قرينة قانونية بالنسبة للزوجة الأجنبية التاجرة مقتضاها أنها تزوجت وفقاً لنظام انفصال الأموال إلا إذا كانت المشارطة المالية بين الزوجين تنص على خلاف ذلك (م15 من قانون التجارة).

فالمشرع راعى أن الأصل العام السائد فى الدول الإسلامية هو أن يتم الزواج وفقاً لنظام انفصال الأموال وطبق هذا الأصل كمبدأ عام على الزوجة الأجنبية التاجرة إلا إذا كانت هناك مشارطة مالية بين الزوجين تنص على خلاف ذلك كما لو نصت على نظام اختلاط الأموال .

كذلك حماية للغير قرر المشرع عدم جواز الاحتجاج عليه بالمشارطة المالية بين الزوجين إلا إذا أشهرت بقيدها فى السجل التجارى ونشر ملخصها فى صحيفة السجل (م15/2 من قانون التجارة) ومتى تم شهر النظام المالى للزوجين فى السجل التجارى كان من حق الغير أن يطمئن إلى هذا الشهر ويتعامل بمقتضاه ، فلا يجوز مفاجأته بعد ذلك بصدور حكم خارج مصر يقضى بانفصال الأموال بين الزوجين إلا من التاريخ الذى يتم فيه قيد هذا الحكم فى السجل التجارى المصرى ونشر ملخصه فى صحيفة هذا السجل .










المبحث الثانى

الالتــزام بمسـك الدفاتـر التجـاريـة

تمهيد وتقسيم :

فرض المشرع التجارى على التجار التزاما أساسيا يتعلق بتنظيم سير الحرفة التجارية وهو الالتزام بمسك الدفاتر التجارية ، والهدف من هذا الالتزام ليس هو مجرد تنظيم حرفة التاجر عن طريق قيد كل ما يجريه من عمليات تجارية فى دفاتر منتظمة يمكن للتاجر بالرجوع إليها فى أى وقت أن يتوقف على حقيقة مركزه المالى ومدى ما حققته تجارته من نجاح أو إخفاق ، وإنما لهذا الالتزام فوائد أخرى ، سواء بالنسبة للتاجر أو للغير ، فالدفاتر المنتظمة يمكنها أن تنقذ التاجر إذا تعرض للإفلاس من العقوبة الجنائية للإفلاس بالتقصير أو التدليس ، وذلك إذا أقام الدليل على حسن نيته وسلامة تصرفاته واستطاع أن يقنع دائنيه أن فشل تجارته وتعرضه للإفلاس لم يكن نتيجة إهمال أو تقصير من جانبه وإنما منشأه ظروف استثنائية غير متوقعة وسوء حظه ، كذلك للدفاتر التجارية أهمية كبيرة من حيث الإثبات سواء فى العلاقة بين التجار فيما بينهم أو مع غير التجار فهى تجنب التجار قيود الإثبات المدنية الثقيـلة دون أن تلـقى بهـم فى فوضى حـرية الإثبـات فى المـواد التجارية ، زد على ذلك أن الدفاتر المنتظمة الدقيقة تكون محل ثقة وتقدير كبيرين من مصلحة الضرائب عند ربط للضريبة على التاجر فهى تجنبه التقدير الجزافى للضريبة وما قد يستتبعه من ظلم وإجحاف بالتاجر .

ونظراً للأهمية البالغة للدفاتر التجارية فقد نظم المشرع الالتزام بمسك الدفـاتـر التجارية بالقانـون رقـم 388 لسنة 1953 المعدل بالقانون رقم 58 لسنة 1954 ، ثم صدر قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999 وألغى القوانين السابقة المنظمة للدفاتر التجارية منظما الالتزام بمسك الدفاتر التجارية فى الفصل الثالث منه فى المواد من 21 إلى 29 ، وسوف نتناول فى هذا المبحث دراسة الالتزام بمسك الدفاتر التجارية فى مطلبين على النحو التالى :

المطلب الأول : الأشخاص الملتزمون بمسك الدفاتر التجارية والدفاتر المطلوب مسكها .

المطلب الثانى : قواعد تنظيم الدفاتر التجارية والجزاء المترتب على مخالفتها.













المطلب الأول

الأشخاص الملتزمون بمسك الدفاتر التجارية

والدفاتر الواجب مسكها

تنص المادة الحادية والعشرون من قانون التجارة رقم 17

لسنة 1999 بشأن الدفاتر التجارية بأنه على كل تاجر يجاوز رأسماله المستثمر فى التجارة عشرين ألف جنيه أن يمسك الدفاتر التجارية التى تستلزمها طبيعة تجارته وأهميتها وعلى وجه الخصوص دفترى اليومية والجرد بطريقة تكفل بيان مركزه المالى وما له من حقوق وما عليه من ديون متعلقة بالتجارة .

ويتضح من هذا النص ما يلى :

أولاً - الأشخاص الملتزمون بمسك الدفاتر التجارية :

1- الالتزام بمسك الدفاتر التجارية التزام مفروض على التجار وحدهم سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أم اعتباريين (الشركات التجارية) فهو التزام مهنى Professionnelle يرتبط بمن يتخذ التجارة حرفة له فهو لا يقع على الأشخاص المدنيين أفرادا كانوا أو شركات ، كما لا يقع على من يعتاد القيام بالأعمال التجارية دون أن يتخذها حرفة له ، ولكن متى ثبت للشخص وصف التاجر التزم بمسك الدفاتر التجارية مصريا كان أو أجنبياً طالما يمارس التجارة فى مصر ، وذلك لأن الأمر يتعلق بالتنظيم القانونى لمباشرة الحرفة التجارية فى مصر ، يستوى فى ذلك أن يكون التاجر يجيد القراءة والكتابة أو أميا لأن له أن يستعين بمحاسب قانونى فى الحالة الأخيرة.

2- الالتزام بمسك الدفاتر التجارية التزام عام يقع على كل التجار طالما جاوز رأسمالهم عشرين ألف جنيه مصرى .

ثانياً - الدفاتر التجارية الواجب مسكها :

ينص قانون التجارة الحالى (م21) على التزام كل تاجر بأن يمسك من الدفاتر التجارية العدد الذى تستلزمه تجارته من حيث طبيعتها وأهميتها ، فالمشرع لم يلزم التاجر بمسك دفاتر محددة وإنما أطلق حريته فى مسك ما يتراءى له من دفاتر تتفق وأهمية تجارته ، بشرط ألا يقل ما يمسكه من دفاتر عن دفترين أساسيين هما دفترا اليومية الأصلى والجرد ، وأن يكون من شأن الدفاتر التى يمسكها التاجر بيان مركزه المالى وما له من حقوق وما عليه من ديون متعلقة بالتجارة .

1- دفتر اليومية الأصلى : وهو الدفتر الذى تقيد فيه يوما بيوم جميع العمليات المالية التى يقوم بها التاجر وكذلك مسحوباته الشخصية ، ويتم القيد يومًا بيوم بالتفصيل باستثناء المسحوبات الشخصية ، فيجوز أن تقيد إجمالا شهر فشهر حرصا على المحافظة على أسرار الحياة الشخصية للتاجر (م22 تجارة).

ويعتبر هذا الدفتر أساس حسابات التاجر ، فهو بمثابة محضر يقيد فيه التاجر العمليات التى يجريها فى يومه سواء تعلقت بتجارته أو بحياته الشخصية كمصاريف منزله وما يقوم به من هبات وصدقات ، فالتاجر يلتزم ليس فقط بقيد عملياته التجارية وإنما أيضاً بقيد مسحوباته الشخصية ، وذلك يوما بيوم وبالتفصيل ، على أنه يمكن الاكتفاء بذكر المسحوبات الشخصية جملة دون حاجة لذكر التفصيلات حتى لا يتأذى التاجر من معرفة أسراره الشخصية من قبل الغير ، ويمكنه فى ذلك أن يخصص لمعيشته مبلغا شهريا إجماليا يثبته فى الدفاتر فى أول كل شهر وهذا ما جرى عليه العمل فعلا ، ويمكن للتاجر أن يستعين بجانب دفتر اليومية الأصلى بدفاتر أخرى يقيد فيها عملياته التجارية وفى هذه الحالة يجب على التاجر أن يراعى فيها ما يجب مراعاته فى دفتر اليومية الأصلى من حيث قواعد انتظام الدفاتر إلا إذا كان يستعين بها فقط فى إثبات تفاصيل العمليات التى يقوم بها (دفتر المشتروات ودفتر المبيعات) ، ويقوم بعد ذلك بقيد هذه العمليات جملة فى دفتر اليومية الأصلى ويطلق على هذه الدفاتر الأخيرة دفاتر اليومية المساعدة (م22/2 تجارة) .

2- دفتر الجرد : تنص المادة الثالثة والعشرون من القانون على أن « تقيد فى دفتر الجرد تفصيل البضاعة الموجودة لدى التاجر فى آخر سنته المالية أو بيان إجمالى عنها إذا كانت تفصيلاتها واردة بدفاتر وقوائم مستقلة ، وفى هذه الحالة تعتبر تلك الدفاتر أو القوائم جزءا متمما لدفتر الجرد الأصلى ، كما يقيد بالدفتر صورة من الميزانية العامة للتاجر فى كل سنة إذا لم تقيد فى أى دفتر آخر» .

يتضح من هذا النص أن التاجر يلتزم بعمل جرد للبضائع الموجودة لديه فى نهاية عامه المالى ، ويتعين عليه أن يقوم بإثبات تفاصيل هذه البضائع والتى أسفر عنها الجرد فى دفتر يسمى بدفتر الجرد ، أو يكتفى بإثبات بيان إجمالى عنها فى هذا الدفتر ، وذلك إذا كانت تفاصيل هذه البضائع واردة فى دفاتر وقوائم مستقلة بحيث تعتبر فى هذه الحالة هذه الدفاتر وتلك القوائم جزءا لا يتجزأ من دفتر الجرد ، والملاحظ أن المشرع اكتفى بالنسبة للتاجر بحصر البضائع فى نهاية عامه المالى دون الجرد بمعناه المحاسبى ، وهو يعنى حصر الأصول والخصوم فى نهاية العام المالى . كما يلتزم التاجر بأن يقيد فى دفتر الجرد صورة عامة لميزانيته السنوية وذلك إذا لم يكن قد تم قيدها فى دفتر آخر.

وقد يلجأ التاجر وفقا لطبيعة تجارته وأهميتها إلى مسك دفاتر أخرى بجانب دفترى اليومية والجرد ، ومن هذه الدفاتر درج التجار على مسك دفاتر للمبيعات والمشتريات والخزانة والكمبيالات ، وأهم هذه الدفاتر دفتر الأستاذ الذى يستلزم القيد فيه اتباع طريقة فنية خاصة وترحل إليه جميع العمليات المدونة فى الدفاتر الأخرى .

وبالإضافة إلى الدفاتر التى يتعين على التاجر مسكها ، يلتزم التاجر أيضاً بأن يحتفظ بصورة طبق الأصل من جميع المراسلات والبرقيات التى يرسلها لأعمال تجارته ، وكذلك جميع ما يرد إليه من مراسلات وبرقيات وفواتير وغيرها من المستندات التى تتصل بأعمال تجارته ، ويجب أن يتم الحفظ بطريقة واضحة يسهل معها مراجعة القيود الحسابية وتكفل عند اللزوم التحقق من الأرباح والخسائر (م24 من قانون التجارة) والغالب أن يتم حفظ هذه المستندات فى ملف مستقل كما يمكن الاحتفاظ بها على ديسكات الكمبيوتر بعد فهرستها بحيث يستطيع التاجر العثور عليها فى أى وقت وبسهولة .

ومن الجدير بالذكر أن الالتزام بحفظ المراسلات والمستندات لا يقع إلا على عاتق التجار الملتزمين أصلا بمسك الدفاتر التجارية .

المطلب الثانى

قواعد تنظيم الدفاتر التجارية والجزاء المترتب على مخالفتها

الفرع الأول

القواعد المتعلقة بتنظيم الدفاتر التجارية

حرص المشرع فى قانون التجارة الحالى على وضع مجموعة من القواعد تتعلق سواء بكيفية القيد فى الدفاتر التجارية وطريقة مسكها ، أو بالمدة التى يجب على التاجر الاحتفاظ بها بالدفاتر التجارية والهدف من هذه القواعد هو ضمان صحة ما يرد فى هذه الدفاتر من بيانات بقدر الإمكان حتى تتمكن هذه الدفاتر من أداء وظيفتها فى الإثبات أمام القضاء من ناحية ، وفى ربط الضريبة الواجبة على التاجر ومعرفة مركزه المالى بدقة من ناحية أخرى، والمشرع فى هذا الصدد لجأ إلى عدة وسائل هى :

أولاً - وضع قواعد عامة يجب مراعاتها فى مسك الدفاتر التجارية على وجه العموم :

وهى أن تكون هذه الدفاتر خالية من أى فراغ أو شطب أو محو فى الهوامش أو بين السطور أو كشط أو تحشير فيما يدون بها (المادة الخامسة والعشرون من قانون التجارة) ، فيجب على التاجر أن يراعى الدقة التامة عند إجراء القيد فى الدفاتر التجارية ، فإذا وقع خطأ فى أحد القيود فلا يجوز شطبه أو تصحيحه بين السطور أو على الهامش ، وإنما يصحح بقيد جديد عند كشفه ، وفى تاريخ كشف هذا الخطأ ، والحكمة من ذلك منع التاجر من تغيير البيانات الواردة فى الدفتر بطريقة تتفق ومصالحه .

ثانياً - وضع قواعد خاصة يجب مراعاتها فى مسك دفترى اليومية والجرد :

وهذه القواعد هى ضرورة ترقيم صفحات كل من دفترى اليومية والجرد قبل استعمالهما وأن يوقع على هذه الصفحات مكتب السجل التجارى الواقع فى دائرة اختصاصه المحل التجارى وأن يوضع على كل صفحة خاتم مكتب السجل مع بيان عدد صفحات الدفتر ، وعندما تنتهى صفحات أى من هذين الدفترين وجب تقديمه إلى مكتب السجل المختص للتأشير على الدفتر بما يفيد انتهاءه ، كذلك يجب تقديم دفترى اليومية والجرد فى نهاية السنة المالية للتاجر إلى مكتب السجل التجارى للتصديق على الصفحات التى استعملت خلال السنة (م25 من قانون التجارة) ، يجب أيضاً عند انتهاء نشاط التاجر لأى سبب مثل وفاته أو اعتزاله التجارة تقديم هذين الدفترين لمكتب السجل المختص ليؤشر عليهما بما يفيد قفلهما (م25/4 تجارة) ويكون ذلك مقابل رسم معين يحصله مكتب السجل، والهدف من اتخاذ هذه الاحتياطات هى منع التاجر من الالتجاء إلى أى نوع من أنواع التلاعب عن طريق إضافة صفحات جديدة للدفتر أو استبعاد بعض الصفحات أو تغيير الدفتر نفسه ، إذ يجب لإجراء شىء من ذلك تقليد إمضاء الموظف المختص بمكتب السجل أو ختمه وهو تزوير معاقب عليه جنائياً، وتجدر الإشارة إلى ضرورة تحرير الدفاتر التجارية وسائر الأوراق التى يهم مصلحة الضرائب الاطلاع عليها باللغة العربية (ق62 لسنة 1942) .

وقد أجاز قانون التجارة الحالى (م25/5) للوزير المختص وضع أحكام خاصة بتنظيم الدفاتر التجارية التى تستعملها البنوك أو الشركات التى يعينها القرار .

ثالثاً- ضرورة الاحتفاظ بالدفاتر التجارية مدة خمس سنوات:

تفرض المادة السادسة والعشرون من قانون التجارة على التاجر أو ورثته التزاما يقضى بضرورة حفظ الدفاتر التجارية التى يلتزم التاجر بمسكها ، وكذلك الأوراق والمستندات أو صورها مدة خمس سنوات من تاريخ التأشير على الدفتر بانتهائه أو من تاريخ إرسال تسليم الخطابات والمستندات ، والحكمة من ذلك هى سهولة الرجوع إليها فى مسائل الإثبات ، وبعد مضى هذه المدة توجد قرينة لصالح التاجر بأنه قد أعدم دفاتره ، ولا يجوز مطالبته بتقديمها أو الاطلاع عليها ، ومع ذلك فهذه القرينة قابلة لإثبات العكس فيجوز للخصم الذى يطلب الاطلاع على الدفاتر أن يقيم الدليل على وجودها رغم مضى المدة القانونية ، وفى هذه الحالة يتعين على التاجر تقديمها للمحكمة إذا طلبت منه ذلك.










الفرع الثانى

الجزاء المترتب على مخالفة قواعد

تنظيم الدفاتر التجارية

يتنوع الجزاء الذى يتعرض له التاجر فى حالة إخلاله بالتزامه بمسك الدفاتر التجارية إلى نوعين : جزاء جنائى وجزاء مدنى.

أولاً - الجزاءات الجنائية :

لم يتضمن التقنين التجارى فى الماضى أو الحاضر جزاءً جنائيا يوقع على التاجر عند إخلاله بالتزامه بمسك الدفاتر التجارية ، فكانت تطبق الجزاءات الجنائية الواردة فى القانون الجنائى عند إفلاس التاجر وليس قبل ذلك، وهذه الجزاءات هى الحكم على التاجر بعقوبة الإفلاس بالتدليس ، وهى جناية عقوبتها السجن إذا أخفى دفاتره او أعدمها أو غيرها (مادة 328 عقوبات).

الحكم على التاجر بعقوبة الإفلاس بالتقصير ؛ وهى جنحة عقوبتها الحبس إذا ثبت عدم تحريره الدفاتر المنصوص عليها فى المادة 21 من قانون التجارة أو عدم إجرائه الجرد المنصوص عليه فى المادة 23 من نفس القانون أو كانت دفاتره غير كاملة أو غير منتظمة .

ثانياً - الجزاءات المدنية :

أهم هذه الجزاءات هو انعدام قيمة الدفاتر التجارية كأداة للإثبات ، فالدفاتر غير المنتظمة لا تكون حجة أمام المحاكم ، وذلك لفقدان الثقة فيما تتضمنه من بيانات، هذا فضلاً عن حرمان التاجر الذى يمسك دفاتر غير منتظمة من الصلح الواقى من الإفلاس ، وذلك لصعوبة إثبات حسن نيته ، وأخيراً فإن عدم مسك الدفاتر التجارية أو عدم انتظامها قد يعرض التاجر إلى التقدير الجزافى من مصلحة الضرائب وهو تقدير قد يكون مبالغًا فيه ، فهو فى كثير من الحالات فى غير مصلحته .

ومن الجدير بالذكر أن المشرع فى قانون التجارة الجديد (م27) أقام قرينة قانونية على علم التاجر بالقيود الواردة فى الدفاتر التجارية والتى تتم من قبل مستخدميه وذلك حتى يُحتج بهذه القيود عليه ولا يدعى عدم صحتها أو عدم علمه بها إلا إذا أثبت التاجر عدم علمه بهذه القيود أو أن تدوينها قد تم دون علمه أو رغم إرادته ، كذلك نصت المادة 70/(ب) ، (د) تجارى على جزاء مقتضاه إهمال حجية البيانات الواردة فى الدفاتر التجارية غير المطابقة كحجة فى الإثبات .










المبحث الثالث

الالتزام بالقيد فى السجل التجارى

تمهيد :

يلتزم التاجر بالإضافة إلى شهر النظام المالى الذى تزوج وفقا له ، ومسك الدفاتر التجارية ، بالتزام ثالث هو القيد فى السجل التجارى .

ويقصد بالسجل التجارى فى هذا الصدد كل دفتر معد فى إحدى الجهات الإدارية أو القضائية لتلقى البيانات المتعلقة بالتجار ، وبنشاطهم التجارى ، بغية تحقيق وظيفة إعلامية أو إحصائية ، عن طريق تقديم المعلومات لكل ذى شأن ، عن التجار أو النشاط التجارى فى الدولة ، أو بغية تحقيق وظيفة قانونية عن طريق تحقيق العلانية والإشهار للبيانات الواردة فى السجل ، وسوف نقسم دراستنا للسجل التجارى فى هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب :

المطلب الأول : نشأة السجل التجارى وأهميته.

المطلب الثانى : الملتزمون بالقيد فى السجل التجارى والبيانات الواجب قيدها .

المطلب الثالث : الجزاءات المترتبة على مخالفة أحكام السجل التجارى.

المطلب الأول

نشأة السجل التجارى وأهميته

أولاً - نشأة السجل التجارى :

أدخل المشرع المصرى نظام السجل التجارى لأول مرة بالقانون رقم 46 لسنة 1934 ، ولكن للأسف لم يحقق هذا القانون الغاية المرجوة من السجل وجعله مرآة صادقة للحياة الاقتصادية فى البلاد ، وذلك لعدة أسباب :

1- عدم الثقة فى صحة البيانات الواردة فى السجل وذلك لأن التاجر وحده هو المرجع فيها دون أن يكون لمكتب السجل سلطة التحقق من صحة هذه البيانات .

2- عدم كفاية البيانات الواردة فى السجل للكشف عن جميع وجوه نشاط التاجر .

3- عدم وجود التزام جدى لا للقيد فى السجل بسبب تفاهة الجزاء المقرر لمخالفته ولا لطلب الشطب لبعض البيانات الواردة فيه عند زوال المحل التجارى ، الأمر الذى جعل القيود الواردة بالسجل لا تعبر عن حقيقة المحال الموجودة فى الواقع ، ورغبة فى تفادى هذه العيوب ألغى المشرع هذا القانون وأحل محله القانون رقم 219 لسنة 1953 الذى عدل أكثر من مرة سنة 1954، 1955، 1960 ، وذلك إلى أن صدر قانون السجل التجارى الجديد رقم 34 لسنة 1976 الذى ألغى فى المادة 24 منه القانون رقم 219 لسنة 1953 ، وقد صدر قانون التجارة الجديد متضمنا بعض الأحكام المتعلقة بالقيد فى السجل التجارى وأثره مع الإبقاء على أحكام القانون رقم 34 لسنة 1976 والتى لا تتعارض مع أحكام القانون الجديد ، وقد وردت هذه الأحكام فى المواد من 30-33 وسوف نشير إليها فى حينه .

ثانياً - أهمية السجل التجارى :

تختلف أهمية السجل التجارى من دولة إلى أخرى بحسب الغاية التى يتغياها المشرع من وراء نظام السجل التجارى ، هل هى النظر إلى السجل كأداة للشهر القانونى يترتب على القيد فيه الإشهار فى المواد التجارية بصفة عامة ؟ كاكتساب صفة التاجر ، أو نفاذ التصرفات القانونية فى مواجهة الغير، أم هو مجرد أداة إحصائية ، الهدف منها الاستعلام عن النشاط التجارى فى الدولة من حيث أنواعه وحجم الأموال المستثمرة فيه وجنسية المشتغلين بهذا النشاط ؟ إذا كان الهدف من السجل والقيد فيه هو ترتيب آثار قانونية هامة وخطيرة كاكتساب صفة التاجر ونفاذ التصرفات القانونية فى حق الغير كنا بصدد النظام القانونى والموضوعى للسجل التجارى .

ويجب أن يعهد بالسجل فى هذه الحالة إلى هيئة قضائية يتوفر لها قدر كبير من الثقة والحياد ، وهذا هو اتجاه القانون الألمانى والدول التى تسير على دربه فى نظام السجل التجارى ، أما إذا كان الهدف من السجل التجارى مجرد جعله أداة إحصائية الهدف منها مجرد الاستعلام فحسب عن النشاط التجارى فى الدولة بحيث لا يرتب القيد فيه آثارا قانونية من حيث كسب صفة التاجر أو نفاذ التصرفات القانونية فى مواجهة الغير ، فلا يلزم فى هذه الحالة أن يكون السجل التجارى فى يد هيئة قضائية ويكتفى ببقائه فى يد جهة إدارية تقوم بهذه المهام الإحصائية ، ومن هذه التشريعات القانون الفرنسى الصادر فى 18 مارس سنة 1919 والتشريعات التى نهجت نهجه كالقانون المصرى الصادر سنة 1934 ، ويرى البعض أن التشريع المصرى المتعلق بالسجل التجارى والصادر سنة 1953 قد اتخذ موقفا وسطا بين المذهبين السابقين إذا احتفظ بالدور الإدارى للسجل كأصل عام واعتبره فى مسائل معينة أداة للشهر القانونى، ثم صدر القانون رقم 34 لسنة 1976 لتنظيم السجل التجارى فى مصر وهو المعمول به حتى كتابة هذه السطور ، أيضاً صدر قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999 وقد نظم السجل التجارى ببعض القواعد (المواد من 30-33) دون إلغاء القانون رقم 34 لسنة 1976 استهدف منها تقوية الوظيفة القانونية للسجل التجارى ، وعلى ذلك يعتبر السجل التجارى فى ظل قانون التجارة الجديد يجمع بين الوظيفتين الإدارية والقانونية ولم يعد كما كان فى الماضى مجرد أداة إدارية وإحصائية فحسب .

ومن مظاهر اتجاه المشرع المصرى إلى تقرير دور للشهر القانونى للسجل تعليق كسب الشخصية المعنوية لبعض الشركات كما هو الحال فى شركات المساهمة والشركات ذات المسئولية المحدودة وشركات القطاع العام على القيد فى السجل التجارى ، كذلك ما نصت عليه (المادة 33 من قانون التجارة الجديد) بقولها : « تكون البيانات المقيدة فى السجل التجارى حجة على الغير من تاريخ قيدها فى السجل ما لم ينص القانون على غير ذلك . وعدم جواز الاحتجاج على الغير بأى بيان واجب القيد فى السجل التجارى ولم يتم قيده إلا إذا ثبت علم الغير بمضمون البيان "، كذلك حرمان التاجر من التمسك بعدم قيده فى السجل التجارى كوسيلة للتحلل من الالتزامات التى يفرضها عليه القانون أو التى تنشأ عن معاملاته مع الغير بصفته تاجرا (م33/3 تجارة) .

ثالثاً - الوظيفة الإحصائية للسجل التجارى :

تعتبر الوظيفة الإحصائية للسجل التجارى من الوظائف الأساسية للسجل فى مصر ، ويقصد بها أن يكون السجل أداة لجمع البيانات الإحصائية عن النشاط التجارى فى الدولة سواء بالنسبة للمشروعات الفردية أو الجماعية تجارية كانت أو صناعية (م30 من قانون التجارة).

كما يتعين على التاجر فى حالة تعديل أو تغيير هذه البيانات أن يخطر السجل بذلك للقيام بإجراء التعديل اللازم ، ويتفرع عن الوظيفة الإحصائية وظيفتان أخريان هما الوظيفة الاستعلامية والوظيفة الاقتصادية . والوظيفة الاستعلامية تتمثل فى تمكين كل ذى مصلحة من الحصول على المعلومات التى تهمه عن التاجر من حيث نشاطه ونوعه وأهميته وفروع هذا النشاط إذا كانت شركة ، فضلا عن إمكانية معرفة أهلية التاجر إن كان فردا ، ونظامه المالى للزواج ومركزه المالى على وجه العموم ، الأمر الذى يشجع الغير على التعامل مع هذا التاجر ومنحه الائتمان أم لا ، كما يمكِّن الدولة من مباشرة رقابتها على النشاط التجارى بسهولة ، وتحقيقا لهذه الوظيفة يفرض القانون التجارى على كل من يقيد بالسجل أن يبين على واجهة محله وفى جميع المراسلات والمطبوعات المتعلقة بتجارته اسمه التجارى ومكتب السجل التجارى المقيد به ورقم القيد (م31 تجارى) ، كذلك أجاز القانون لكل شخص أن يحصل من مكتب السجل التجارى على صورة مستخرجة من صفحة القيد ، وفى حالة عدم القيد يعطى المكتب شهادة سلبية .

وحرصاً على سمعة التاجر نص القانون على عدم جواز اشتمال الصورة المستخرجة من صفحة القيد على أحكام شهر الإفلاس إذا حكم برد الاعتبار ، فالمشرع رأى أنه إذا زالت عن التاجر وصمة الإفلاس برد الاعتبار فلا داعى لذكر أحكام شهر الإفلاس ، وذلك تشجيعاً للتاجر على مواصلة نشاطه مادام قد بدأ صفحة جديدة فى نشاطه التجارى ، كذلك عدم جواز اشتمال الصورة المستخرجة من صفحة القيد على أحكام الحجز إذا حكم برفعه وذلك لنفس العلة السابقة .

أما الوظيفة الاقتصادية للسجل فهى تتحقق بالوقوف على حجم النشاط الاقتصادى فى الدولة ونسبة اشتراك كل من القطاعين العام والخاص فيه، سواء أكان رأس المال الخاص رأس مال وطنى أم أجنبى ، وتستطيع الدولة فى ضوء هذه المعلومات المتعلقة بالنشاط الاقتصادى بصفة عامة وبحجم النشاط بخصوص كل صناعة أو تجارة بصفة خاصة أن تنظم أنشطتها الاقتصادية مراعية فيها تشجيع بعض أوجه النشاط الذى تزداد الحاجة إليه والتقليل من البعض الآخر الذى تقل أو تنعدم إليه حاجة المجتمع .

المطلب الثانى

الملتـزمون بالقـيد فى السجــل التجــارى

والإجــراءات اللازمـة فى السجــل

الفرع الأول

الملتزمون بالقيد فى السجل التجارى

نصت المادة الثانية من القانون رقم 34 لسنة 1976 على الأشخاص الذين يجب عليهم القيد فى السجل التجارى ؛ وهم كما يلى :

أولاً - الأفراد الذين يرغبون فى مزاولة التجارة فى محل تجارى :

فيشترط للقيد فى السجل التجارى أن يكون طالب القيد شخصا يباشر تجارته فى محل تجارى ، أما إذا كان من الباعة المتجولين فلا يلتزم بالقيد فى السجل التجارى ، وتنص أيضاً المادة 17 من قانون السجل الجديد على حظر مزاولة التجارة فى محل تجارى إلا لمن يكون اسمه مقيداً فى السجل الذى يقع فى دائرته المحل التجارى .

ثانياً - شركات الأشخاص وشركات المساهمة والتوصية بالأسهم وذات المسئولية المحدودة مهما كان غرضها :

ونجد أن المشرع أخضع هذه الشركات للقيد فى السجل التجارى أيا كان نشاطها مدنيا كان أو تجاريا ، وهذا يتفق مع اتجاه المشرع فى قانون التجارة الجديد من إضفاء الصفة التجارية على الشركة التى تتخذ الشكل التجارى أيا كان موضوع نشاطها (م11/2 من القانون) .

ثالثاً - الأشخاص الاعتبارية العامة التى تباشر بنفسها نشاطا تجاريا :

ويقصد بهذه الأشخاص شركات قطاع الأعمال العام والتى ينظمها قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 والذى نص فى مادته الأولى من مواد إصداره على عدم خضوعها لأحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 ويقصد بشركات قطاع الأعمال كل من الشركات القابضة والشركات التابعة لها والخاضعة لقانون 203

لسنة 1991 ، وهذه الشركات تتخذ عادة شكل شركات المساهمة ويسرى عليها أحكام قانون شركات المساهمة والتوصية بالأسهم والمسئولية المحدودة بشرط ألا تتعارض مع أحكام قانون قطاع الأعمال العام التابع لها الشركة إلى القيد فى السجل إلا إذا باشرت الهيئة العامة النشاط التجارى بنفسها ، فحينئذ يجب أن تقيد فى السجل التجارى . ومن المعروف أن قيد شركات قطاع الأعمال العام فى السجل التجارى يترتب عليه أثر قانوني هام وهو اكتساب الشركة للشخصية المعنوية ، وقد نصت على ذلك صراحة المادة الأولى فى فقرتها الأولى بالنسبة للشركات القابضة من القانون سابق الذكر بقوله : وتثبت لها الشخصية الاعتبارية من تاريخ قيدها فى السجل التجارى كذلك الشأن بالنسبة للشركات التابعة للشركات القابضة (م16/3 من قانون 203 لسنة 1991) .

رابعاً - الجمعيات التعاونية التى تباشر بنفسها نشاطا تجاريا :

وفى الواقع فإن هذا النوع من الجمعيات غير موجود فى مصر حتى الآن الأمر الذى دفع الفقه للتساؤل عن نص المشرع عنه رغم عدم وجوده ، وربما كان ذلك تنبؤا بما قد ينشأ فى المستقبل من جمعيات تباشر بنفسها نشاطا تجاريا على نمط تلك الجمعيات أو الشركات التعاونية الموجودة فى النظم القانونية الأخرى . فالمشرع هنا ينص على صورة من صور الأشخاص الاعتبارية ذات غرض خاص غير معروف حاليا فى التشريع المصرى الذى يعتبر النشاط التعاونى عملا مدنياً وليس تجارياً .

خامساً - الأشخاص الطبيعيون والاعتباريون الذين يزاولون الوكالات التجارية بأنواعها المختلفة عن المنشآت الأجنبية :

فيتعين إذًا على كل من يباشر الوكالة التجارية فى مصر عن المنشآت الأجنبية بأنواعها المختلفة - شخصا طبيعيا كان أو شركة - أن يقوم بالقيد فى السجل التجارى . ويستوى فى ذلك أن يتخذ الشخص المعنوى الذى يزاول الوكالة التجارية شكل شركة الأشخاص أو الأموال أو يكون شركة عامة أو هيئة عامة ، فكل هذه الأشكال القانونية للأشخاص المعنوية ملزمة بالقيد فى السجل التجارى طالما مارست أعمال الوكالة التجارية .

ويشترط أن تمارس هذه الأشخاص أعمال الوكالة التجارية على اختلاف أنواعها عن الشركات الأجنبية سواء اتخذت شكل الوكيل التجارى أو الموزع أو الممثل التجارى المستقل عن المنشأة الأجنبية وغير التابع لها .

ضرورة توافر الجنسية المصرية للمقيدين بالسجل التجارى : تستلزم المادة الثالثة من قانون السجل التجارى شرط التمتع بالجنسية المصرية فى المقيدين بالسجل التجارى ، وذلك بالإضافة إلى ضرورة الحصول على ترخيص بمزاولة التجارة من الغرفة التجارية المختصة ، وهذا يعنى أن المشرع المصرى قد استحدث شرطين للقيد فى السجل التجارى وهما ضرورة التمتع بالجنسية المصرية والحصول على ترخيص من الغرفة المختصة لمزاولة التجارة ، والهدف من ذلك هو العمل على قصر مباشرة التجارة كقاعدة عامة على المواطنين دون الأجانب ، وتحقيق رقابة الدولة على المشتغلين بالتجارة .

الاستثناءات الخاصة بالأجانب والتى تتعلق بمزاولة التجارة والقيد فى السجل التجارى :

ولكن المشرع المصرى قد أورد عدة استثناءات على شرط الجنسية على أثر اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادى فى مصر ، وبموجب هذه الاستثناءات تجيز المادة الرابعة للأجنبى مباشرة التجارة والقيد فى السجل التجارى المصرى، وهذه الحالات قد وردت فى المادة الرابعة من القانون رقم 34 لسنة 1976 بشأن السجل التجارى :

1- موافقة الهيئة العامة للاستثمار بالنسبة للمشروعات التى تنشأ وفقا للقانون رقم 8 لسنة 1997 الخاص بحوافز وضمانات الاستثمار .

2- إذا كان الاجنبى شريكا فى شركة الأشخاص يشترط أن يكون أحد الشركاء المتضامنين على الأقل مصرياً ، وأن يكون للشريك المصرى المتضامن حق الإدارة والتوقيع ، وأن تكون حصة الشركاء المصريين 51% على الأقل من رأسمال الشركة .

3- كل شركة أيا كان شكلها القانونى يوجد مركزها الرئيسى أو مركز إدارتها فى الخارج ، إذا زاولت فى مصر أعمالا تجارية أو مالية أو صناعية أو قامت بعملية مقاولة بشرط موافقة هيئة الاستثمار .

4- الأجانب المزاولون لنشاط التصدير وفى حدود هذا النشاط ؛ سواء أكانوا أفرادا أو شركاء فى شركات أشخاص أو أموال أيا كانت نسبة مشاركتهم فى رأس المال ، وقد تقرر هذا الاستثناء بمقتضى القانون رقم 98 لسنة 1996 المعدل لبعض أحكام السجل التجارى .

وبالإضافة إلى هذه الحالات نجد أن المادة 23 من قانون السجل التجارى رقم 34 لسنة 1976 تجيز للأجانب وفروع ومكاتب المنشآت والشركات المنصوص عليها بالمادة الرابعة السابق ذكرها المقيد أسماؤهم فى السجل التجارى وقت العمل بأحكام هذا القانون (34 لسنة 1976) الاستمرار فى مزاولة التجارة ، ويتعدد القيد فى السجل التجارى بالنسبة للمحل الرئيسى أو الفرع أو الوكالة أو المركز العام للشركة حسب موقع كل منها .

الفرع الثانى

الإجراءات اللازمة فى السجل التجارى

والإجراءات الواجب اتباعها فى السجل التجارى تعنى بمعناها الواسع ليس فقط ما يلزم اتخاذه من إجراءات للقيد فى السجل فحسب وإنما أيضاً ما ينبغى مراعاته لتعديل بعض القيود التى تمت فى السجل أو محو هذه القيود .

أولاً - إجراءات القيد :

ويجب تقديم الطلب خلال شهر من تاريخ الترخيص بمزاولة التجارة فى محل تجارى (م أولى من اللائحة) ، وقد نص القانون على البيانات التى تقيد فى السجل مثل اسم التاجر ولقبه وتاريخ ميلاده وجنسيته ونوع تجارته ورأس المال المستثمر فيها ... إلخ ، وكذلك إذا كان طالب القيد شركة فيجب قيد كافة البيانات المتعلقة بالشركة والشركاء ، وكذلك قيد البيانات المتعلقة بفروع المحل التجارى أو الشركة .. إلخ . وهناك بيانات يتم قيدها بواسطة مكتب السجل التجارى ذاته وهى البيانات المتعلقة ببيع أو رهن المحل التجارى من واقع السجلات المخصصة لذلك والتى يحتفظ بها مكتب السجل (م6/2) .

كذلك ينبغى على مكتب السجل القيام بقيد الأحكام الصادرة ضد التاجر فردا كان أو شركة كالأحكام المتعلقة بشهر الإفلاس أو إغلاق المتجر، وقد خول القانون الجديد لموظفى السجل سلطة التحقق من صحة البيانات التى يتقدم بها طالب القيد (م8/2) . ويحق لمكتب السجل بناء على ذلك رفض طلب القيد على أن يكون هذا الرفض مسببا ، ولصاحب الشأن الطعن فى هذا القرار أمام محكمة القضاء الإدارى فى المواعيد المقررة للطعن فى القرارات الإدارية. وفى كل الأحوال يجب على كل شخص تم قيده فى السجل التجارى أن يكتب على واجهة محله وفى جميع المراسلات والمطبوعات والأوراق المتعلقة بتجارته اسمه التجارى مشفوعا ببيان مكتب السجل المقيد به ورقم القيد (م5).

ثانياً - قيد التعديلات :

ونظرا لأن من وظائف السجل التجارى اعتباره أداة استعلامية وإحصائية فيجب أن يتوافر لهذه الأداة أكبر قدر من الصدق والأمانة فيما تحويه من معلومات، ولهذا فقد أوجب المشرع على التاجر فردا كان أو شركة سواء بنفسه أو عن طريق ممثله القانونى أن يقوم بالتأشير فى السجل بكل تعديل أو تغيير يتعلق بالبيانات التى سبق قيدها فى هذا السجل ، وقد حدد المشرع مهلة لهذا القيد وهى مدة شهر من تاريخ القيد أو الحكم أو الواقعة التى تستلزم التغيير أو التعديل (م6) .

ثالثاً - تجديد القيد :

ويجب تجديد القيد بالسجل التجارى كل خمس سنوات من تاريخ القيد ، أو من تاريخ آخر تجديد خلال الشهر السابق لانتهاء المدة ، مع مراعاة المواعيد التى نص عليها القانون واللائحة التنفيذية له فى هذا الخصوص .

رابعاً - محو القيد :

يلتزم التاجر أو ورثته والممثلون القانونيون للشخص الاعتبارى حسب الأحوال أن يطلبوا طبقا للأوضاع القانونية المقررة محو القيد من السجل التجارى ، وذلك فى حالة ترك التاجر تجارته واعتزالها نهائيا أو وفاته مع إنهاء الورثة الاستغلال التجارى الذى تركه مورثهم ، وانتهاء تصفية الشخص الاعتبارى أو وقف نشاطه (م10) ، ويقدم طلب محو القيد خلال شهر من تاريخ الواقعة التى تستوجبه ، وإذا لم يقدم صاحب الشأن طلب المحو كان على مكتب السجل التجارى أن يمحو القيد من تلقاء نفسه بعد التحقق من السبب الموجب له (م11) .

المطلب الثالث

الجزاء المترتب على مخالفة أحكام

قانون السجل التجارى

قرر المشرع بعض الجزاءات الجنائية توقع على المخالفين لأحكام قانون السجل التجارى رقم 34 لسنة 1976 ، وهذه الجزاءات تدور أساساً حول دعم الوظيفة الإحصائية والاستعلامية للسجل ، فنجد المادة 18 من هذا القانون تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين وبالغرامة التى لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين - كل من يقدم بسوء قصد بيانات غير صحيحة تتعلق بطلبات القيد أو التأشير فى السجل أو التجديد أو المحو ، كذلك يعاقب نفس العقوبة كل من ذكر على واجهة محله وعلى إحدى المراسلات أو المطبوعات والأوراق المتعلقة بتجارته اسما تجاريا أو رقم قيد ليس له ، أو ذكر ما يفيد القيد مع عدم حصوله .

كما فرض المشرع عقوبة الغرامة كعقوبة عامة لمخالفة باقى أحكام قانون السجل التجارى الجديد ، إذ يعاقب مرتكبها بغرامة لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تتجاوز مائة جنيه وتضاعف الغرامة فى حالة العود ، وفى حالة مخـالفة المادة (17) تأمر المحكمة فضلاً عـن الحكم بالغـرامة بإغلاق المحل (م19) .

تقدير نظام السجل التجارى وفقاً للقانون الجديد :

لا شك أن قانون السجل الحالى قد تضمن قدرا من التطور والتعديل خاصة فيما يتعلق بشروط القيد فى السجل التجارى وتنظيم القيد بالنسبة للأجنبى الذى يرغب فى مباشرة نشاط تجارى فى مصر ، وكذلك التشدد فى معاقبة من يدلى ببيانات غير صحيحة لمكتب السجل ، إلا أن هذا التطوير كما نرى لا يمس الوظيفة القانونية للسجل التجارى ، ولم يحاول تحقيقها بالمعنى المراد تحقيقه والذى يجمع عليه الفقه ، وهو اعتبار السجل أداة وحيدة للشهر فى المواد التجارية دون غيرها من الوسائل التى نص عليها التقنين التجارى ، أو بعبارة أخرى الانتقال بالسجل التجارى من النظام الفرنسى كأداة إعلامية وإحصائية إلى النظام الألمانى واعتباره أداة قانونية للإشهار فى المواد التجارية، بحيث يترتب على القيد اكتساب صفة التاجر والاحتجاج بالتصرفات القانونية فى مواجهة الغير ، حقا إن قانون التجارة الجديد جاء ببعض الأحكام من أجل تدعيم وتقوية الوظيفة القانونية للسجل التجارى إلا أن هذه الأحكام ، وإن كانت دعمت الدور القانونى للسجل التجارى إلا أنها غير كافية .

فنظام السجل الحالى مع كل ما تناوله من تطوير وتعديل إلا أنه قاصر على تنمية وتدعيم الوظيفة الإحصائية فحسب ، فهو لا يعدو أن يكون مجرد نظام استعلامي إحصائي يعهد به إلى جهة إدارية هى وزارة التجارة، فالقيد فيه ما زال غير محقق للإشهار القانونى كما أشرنا مرارا وتكرارا ، وليس سببا لكسب الحقوق أو سقوطها فالقيد فى السجل لا يكسب صاحبه صفة التاجر ومن لم يقيد فيه لا يسقط عنه إهمال القيد هذه الصفة ، فقانون السجل الحالى للأسف الشديد لم يحقق الآمال المعقودة عليه ، ولم يختلف كثيرا عما تناوله القانون الملغى خاصة فيما يتعلق بالوظيفة القانونية للسجل ، ونرجو أن يتدارك المشرع هذا النقص فى التشريعات المستقبلية مستهدفا بالتعديل الوظيفة القانونية للسجل كأداة للإشهار القانونى وليس فقط مجرد تدعيم وتقوية الوظيفة الإحصائية .























































 8) الأعتماد المستندى.




عمليات البنوك والائتمان المصرفى

تناولنا فى البابين السابقين نظرية الأعمال التجارية والتاجر، وسوف ندرس فى هذا الباب عمليات البنوك ويقصد بها كافة الخدمات المصرفية التى تقدمها البنوك للعملاء مقابل أجر أو عمولة، ومن هذه العمليات تلقى الودائع وفتح الحسابات المصرفية وتأجير الخزائن ومنح الائتمان . ولما كان منح الائتمان المصرفى من أهم الأعمال التى تقوم بها البنوك التجارية لخدمة العملاء، فنرى قصر هذا الباب على دراسة الائتمان المصرفى .

وعمليات الائتمان التى تقوم بها البنوك تتخذ فى العمل أشكالاً مختلفة أهمها القروض والاعتمادات والخصم وخطابات الضمان وبطاقات الائتمان . وسوف ندرس فى هذا الباب الأشكال الأساسية والذائعة للائتمان المصرفى .

الفصل الأول : وندرس فيه الاعتماد المستندى .

أما فى الفصل الثانى : فندرس خطابات الضمان المصرفية .

وفى الفصل الثالث : نتناول بطاقات الائتمان .































الفصل الأول

الاعتماد المستندى

المبحث الأول

تعريف الاعتماد المستندى وأهميته وأنواعه

أولاً - تعريف الاعتماد المستندى :

الاعتماد المستندى هو عقد يتعهد البنك بمقتضاه بفتح اعتماد بناءً على طلب أحد عملائه ، ويسمى الأمر لصالح شخص آخر، ويسمى المستفيد بضمان مستندات تمثل بضاعة منقولة أو معدة للنقل .

فعقد الاعتماد بطريق المستندات هو إذا عقد يتم بين البنك والعميل ، يتعهد البنك بمقتضاه بأن يضع تحت تصرف شخص ثالث يسمى المستفيد مبلغًا معينًا يحصل عليه عند تسليمه للبنك المستندات المتعلقة بالصفقة الموقعة مع العميل الآمر والتى تطابق شروط خطاب الاعتماد الصادر من البنك .

هكذا نلاحظ أن عقد الاعتماد المستندى يختلف عن عقد الاعتماد البسيط فى أمرين : الأول هو أن الاعتماد المستندى يستلزم وجود شخص ثالث هو المستفيد يلتزم البنك فى مواجهته بمبلغ الاعتماد ، وذلك على عكس الاعتماد البسيط الذى يقتصر أثره على العلاقة المباشرة بين العميل والبنك دون أن يتعامل البنك مع الغير .

الأمر الثانى هو أن الاعتماد المستندى يفترض وجود علاقة سابقة بين العميل الأمر والغير (المستفيد من الاعتماد) وهى غالبا علاقة بيع ذى صفة دولية تم فتح الاعتماد لأداء الالتزامات الناشئة عنها ، أما الاعتماد البسيط فلا يستلزم وجود هذه العلاقة السابقة بين العميل الأمر والغير فقد توجد وقد لا توجد.

ثانياً - أهمية الاعتماد المستندى :

تبدو أهمية الاعتماد المستندى فى البيوع الدولية وهى التى تتم بين بائع ومشترٍ كل منهما يقيم فى دولة بعيدة عن الآخر ، فالبائع يرغب فى تصدير بضائعه إلى المشترى ولكنه يخشى عدم قيام هذا الأخير بدفع الثمن المطلوب سواء بسبب الإعسار أو المماطلة . والمشترى يرغب فى استيراد البضائع ويخشى إذا دفع الثمن مقدما ألا يقوم البائع بتسليم البضائع أو يسلم بضائع غير مطابقة لما جاء فى عقد البيع . وتجنبا لهذه المخاطر التى يتعرض لها كل من البائع أو المشترى ابتكر العمل المصرفى فكرة الاعتماد المستندى لتحقيق الأمان والاطمئنان لكل من البائع (المصدر) والمشترى (المستورد) فى الحصول على حقوق كل منهما قبل الآخر ، وذلك عن طريق توسط البنوك بين الطرفين المتعاقدين ، فالمشترى الذى يرغب فى استيراد سيارات من ألمانيا بمبلغ مليون دولار مثلا يمكنه أن يطلب من البنك الذى يتعامل معه فى القاهرة (بنك مصر مثلا) فتح اعتماد لصالح المستفيد فى ألمانيا بمبلغ مليون دولار مقابل شراء عدد من السيارات لحسابه وتصديرها إلى مصر ، بنك المشترى فى مصر سوف يفتح اعتمادًا للمستفيد بالمبلغ المطلوب ويخطر المستفيد بذلك مباشرة ، سواء عن طريق فرعه فى ألمانيا أو عن طريق بنك يتعامل معه فى هذا البلد (يسمى البنك المراسل) ، هذا البنك الأخير يخطر المستفيد بفتح اعتماد لحسابه بمبلغ مليون دولار يدفع للمستفيد عند قيامه بتقديم مستندات شحن السيارات المطلوبة إلى البنك مرفقة بكافة الفواتير والمستندات المنصوص عليها فى خطاب الاعتماد المرسل من البنك للمستفيد .

عند وصول خطاب الاعتماد إلى المستفيد يمكن لهذا الأخير شحن السيارات وتسليم المستندات المطلوبة إلى البنك الذى يتعامل معه فى الخارج ويسحب كمبيالة بالمبلغ المطلوب (وهو يتكون من ثمن البضائع ومصاريف الشحن والتأمين إذا كان البيع سيف) على بنك مصر ويخصمها لدى بنكه فى الخارج للحصول على قيمتها فورا ، عند وصول المستندات المطلوبة إلى بنك مصر القاهرة يقوم بدوره بتسليمها للعميل (المشترى) الآمر بفتح الاعتماد وذلك عند قيامه بسداد مبلغ الاعتماد بالإضافة إلى العمولة والعوائد المطلوبة للبنك ، فإذا سدد المشترى المبالغ المطلوبة منه سلمه البنك مستندات البضاعة التى يستطيع بها تسلُّمها فى ميناء الوصول ، أما إذا لم يقم بذلك يكون للبنك رهن على البضائع بمقتضى حيازته لمستنداتها ويمكنه أن يتسلمها وينفذ عليها استيفاء للمبالغ التى دفعها للمشترى .

هكذا نلاحظ أن عملية الاعتماد المستندى تحقق الأمان لكل أطرافها الثلاثة وهم البائع المصدر (المستفيد من الاعتماد) والمشترى المستورد(الآمر بالاعتماد) والبنك فاتح الاعتماد والوسيط بين الطرفين فى الحصول على حقوق كل منهم دون مخاطر ، لذلك تنتشر الاعتمادات المستندية وتزيد أهميتها فى سد حاجات التجارة الخارجية .

ثالثاً - أنواع الاعتماد المستندى :

تنقسم الاعتمادات المستندية إلى أنواع مختلفة ، فهناك الاعتماد المستندى القابل للإلغاء والاعتماد البات (غير القابل للإلغاء) والاعتماد المؤيد والاعتماد القابل للتحويل .




1- الاعتماد القابل للإلغاء :

وهو الاعتماد الذى يحتفظ فيه البنك لنفسه بحق تعديله أو إلغائه فى أى وقت دون مسئولية فى مواجهة المستفيد . وقد نص قانون التجارة فى المادة 343/1 على هذا النوع من الاعتمادات بقوله: « يجوز أن يكون الاعتماد المستندى قابلا للإلغاء أو باتا غير قابل للإلغاء ، ولا يترتب على الاعتماد المستندى القابل للإلغاء أى التزام على البنك قبل المستفيد ، ويجوز للبنك فى كل وقت تعديله أو إلغاؤه من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الآمر دون حاجة إلى اخطار المستفيد ، وإن كانت العادة جرت على قيام البنك بإخطار المستفيد بالإلغاء . وهـذا النوع من الاعتمـادات قليـل الأهـميـة من الناحيـة العمليـة فهـو لا يحقق الاطمئنان الكافى للمستفيد بسبب توقف إلغائه على الإرادة المنفردة للبنك، ولذلك لا يلجأ إليه إلا فى الحالات التى تكون فيه الثقة بين العميل الآمر والمستفيد متوافرة لا تحتاج إلى تدخل البنك وإنما قصد من فتح الاعتماد تنظيم طريقة الدفع بين البائع والمشترى لا أكثر ، ويجب أن يتضمن عقد فتح الاعتماد من العميل والبنك ما يفيد أن الاعتماد غير قابل للإلغاء وإلا كان قابلا للإلغاء ، فقابلية الاعتماد للإلغاء هى الأصل إلا إذا نص عقد فتح الاعتماد على عدم قابليته للإلغاء ، ويتعرض البنك للمسئولية فى مواجهة العميل الآمر إذا ما قام بتعديل الاعتماد أو إلغائه خلافا لما جاء بشروط العقد مع العميل الآمر .

2- الاعتماد البات (غير القابل للإلغاء Irrevocable) :

الاعتماد البات أو غير القابل للإلغاء هو الذى لا يجوز فيه للبنك إلغاؤه بإرادته المنفردة فالبنك فى هذا الاعتماد يكون ملتزمًا شخصيا وبصفة مباشرة وقطعية فى مواجهة المستفيد ، وهذا النوع من الاعتمادات هو النوع الغالب فى العمل لأنه يحقق الغاية من استخدام الاعتماد المستندى وهى اطمئنان المستفيد على الحصول على مستحقاته قبل العميل الآمر بواسطة البنك فاتح الاعتماد ، هذا فضلا عن إمكانية الحجز على مبلغ الاعتئماد من قبل دائن المستفيد ، فالاعتماد البات إذا هو الأصل العام أما قابلية الاعتماد للإلغاء فهى مجرد استثناء على هذا الأصل (م343/2 من قانون التجارة) .

ولا يجوز إلغاء الاعتماد المستندى البات أو تعديله إلا باتفاق جميع ذوى الشأن فيه وهم العميل الآمر والبنك المستفيد ، فلا يجوز للبنك أن يقوم بمفرده بتعديل شروطه ، وبناءً على قطعية التزام البنك فى الاعتماد البات أو غير القابل للنقض يلتزم البنك بتنفيذ الالتزام الناشئ عن الاعتماد متى تقدم المستفيد بالمستندات ، سواء أكان الوفاء نقدا أم بقبول كمبيالة مستندية أم بإجراء الخصم عليها .

والتزام البنك الناشئ عن عقد الاعتماد البات التزام مستقل لا يرتبط بعقد البيع المبرم بين البائع والمشترى ، ولا تتوقف صحته على صحة عقد البيع أو على أى اتفاقات أخرى تربط الأطراف ببعضهم؛ بمعنى أن التزام البنك بدفع قيمة الاعتماد ينشأ متى كانت المستندات المقدمة له مطابقة تماما شروط خطاب الاعتماد دون نظر إلى شروط البيع الموقع بين المستفيد والعميل الآمر ودون أدنى سلطة فى التقدير أو التفسير أو الاستنتاج .

3 - الاعتماد المؤيد Credit Confirme:

قد لا يكتفى المستفيد من الاعتماد فى الخارج بتعهد بنك المشترى بل يطلب تدخل بنك ثانٍ يؤكد الاعتماد ويتعهد به فى مواجهة البائع لكى تزيد ثقته فى جدية الاعتماد ، وعادة يكون هذا البنك الثانى فى بلد البائع (المستفيد) ، ففى المثال الذى سبق ذكره يبحث بنك مصر عن بنك آخر فى ألمانيا يطلب منه تأييد الاعتماد الصادر منه لحساب المستفيد الألمانى وعند قيام البنك الثانى بتأييد الاعتماد يصبح هذا الأخير ملتزما أمام المشترى المستفيد مثل البنك الأول فاتح الاعتماد ، تماما عن مبلغ الاعتماد بحيث يستطيع البائع أن يرجع عليه ليتقاضى منه ثمن الصفقة بالإضافة إلى المصروفات التى تحملها البائع للنقل والتأمين .

يترتب على تدخل البنك الثانى زيادة تكاليف الاعتماد بالنسبة للعميل بقدر العمولة التى يتطلبها البنك الثانى من البنك الأول مقابل قبوله تأييد الاعتماد الصادر منه .

ويجب التمييز بين حالة البنك المؤيد للاعتماد الذى يتدخل فى الخارج بناءً على طلب المستفيد للتعهد بتنفيذ الاعتماد فى مواجهته ، وبين البنك المراسل الذى يلجأ إليه البنك فاتح الاعتماد تيسيرا لوصول خطاب الاعتماد إلى المستفيد، فالبنك المراسل هو فرع للبنك فاتح الاعتماد أو فرع بنك أجنبى يوجد فى بلد البائع يستخدمه بنك العميل الآمر فى إرسال خطاب الاعتماد إلى المشترى فى الخارج ، يقتصر دوره على إبلاغ المستفيد بخطاب الاعتماد دون أى التزام من جانبه فى مواجهة المستفيد . وعادة ما يحرص البنك المراسل على أن يبين للبائع المستفيد دوره وإنه لا يتضمن أى التزام من جانبه أو تدخل فى عملية فتح الاعتماد .

وقد نصت المادة 346 من قانون التجارة على دور البنك المؤيد للاعتماد وعلى التمييز بينه وبين دور البنك المراسل بقولها :

(1) يجوز تأييد الاعتماد المستندى البات من بنك آخر يلتزم بدوره بصورة قطعية ومباشرة قبل المستفيد .

(2) لا يعتبر مجرد الإخطار بفتح الاعتماد المستندى البات المرسل إلى المستفيد عن طريق بنك آخر تأييدا من هذا البنك للاعتماد .

ومن الجدير بالذكر أن التأييد لا يمكن أن ينصب إلا على الاعتماد البات غير القابل للإلغاء ، أما الاعتماد القابل للإلغاء فهو لا يتضمن التزاما نهائيا من قبل البنك وبالتالى لا يصلح محلا للتأييد .

4 - الاعتماد القابل للتحويل Transferable :

الاعتماد القابل للتحويل Credit transmissible هو الاعتماد الذى ينص فيه على حق المستفيد بتحويل مبلغ الاعتماد كله أو جزء منه إلى مستفيد آخر واحدا كان أو أكثر ، ويحدث تحويل الاعتماد إلى مستفيدا آخر فى الفرض الذى يقوم فيه البائع بإعداد البضاعة وشحنها وقد لا تتوافر لديه الكمية المطلوبة فيطلب من المنتجين أو الموردين الآخرين تدبير ما قد يعجز عن تدبيره الأمر الذى يدفعه إلى اشتراط تحويل قيمة الاعتماد كله أو جزء منه إلى هؤلاء المنتجين أو الموردين .

ولما كان الاعتماد المستندى يقوم على الاعتبار الشخصى ، فالأصل أنه

لا يجوز للمستفيد تحويله إلى الغير إلا إذا تضمن شرطا يجيز ذلك ، وإذا وجد هذا الشرط فلا يجوز تحويل قيمة الاعتماد إلا مرة واحدة فقط ما لم يتفق على غير ذلك .

وقد نصت المادة 349 من قانون التجارة على الاعتماد المستندى القابل للتحويل متضمنة حكما خاصا به وشروط هذا التحويل بقولها :

« لا يجوز تحويل الاعتماد المستندى ولا تجزئته إلا إذا كان البنك الذى فتحه مأذونا فى دفعه كله أو بعضه إلى شخص أو إلى جملة أشخاص غير المستفيد الأول بناء على تعليمات صادرة من هذا المستفيد ولا يتم التحويل إلا إذا وافق عليه البنك . ولا يجوز التحويل إلا مرة واحدة ما لم يتفق على غير ذلك » .

وتحويل الاعتماد إلى مستفيد آخر لا يغير شروط الاعتماد ، فإذا كان الاعتماد الأصلى قابلا للنقض كان الاعتماد المحول قابلا للنقض ، وإذا كان الاعتماد الأصلى قطعيًا أو مؤيدًا كان للاعتماد المحول نفس الوصف . ومع ذلك تجيز القواعد الموحدة للاعتمادات المستندية تخفيض قيمة الاعتماد عند تحويله أو مدة الصلاحية أو تاريخ الشحن . ويرى البعض لذلك أن تحويل الاعتماد يؤدى من الناحية العملية إلى إصدار اعتماد جديد بشروط جديدة ، ويترتب على تحويل الاعتماد إلى مستفيد جديد نشوء حق مباشر لهذا الأخير فى الحصول على مبلغ الاعتماد يختلف عن حوالة الدين .

وقد يلجأ البنك فى حالة عدم قابلية الاعتماد الأصلى إلى التحويل إلى فتح اعتماد آخر لحساب شخص آخر غير المستفيد الأصلى يسمى بالاعتماد الاحتياطى Credit subsidiaire . وشروط هذا الاعتماد تختلف عن الاعتماد الرئيسى فهى وسيلة أيسر بالنسبة للمستفيد الجديد من تحويل الاعتماد الأصلى ويسمى هذا الاعتماد back to back credit وهو يختلف عن الاعتماد الأصلى فى شروطه وإن كان يغطى بمبلغ هذا الاعتماد .

5- اعتماد الدفعة الواحدة والاعتماد المتجدد : Revolving credit

الصورة العادية البسيطة للاعتماد المستندى هى أن يكون واجب الدفع مرة واحدة خلال تاريخ معين ، وذلك عند تقديم المستندات المطلوبة ويطلق على هذا الاعتماد اعتماد الدفعة الواحدة . ولكن قد تستلزم ظروف الصفقة أن يتم تسليم البضائع على دفعات متجددة بحيث يستفيد البائع من الاعتماد بصفة دورية عند تسليمه البضائع المطلوبة فى مواعيدها كما لو كان الاعتماد بمائة ألف جنيه كل شهر لمدة عام مثلا ، بحيث ينقضى حق المستفيد فى المبلغ الشهرى إذا انقضى الشهر دون استعماله ويظل له الحق فى المبالغ المستحقة عن الشهور التالية، أما إذا كان الاعتماد المتجدد مجمعًا Cumulative فمن حق المستفيد أن يستفيد بالمبالغ غير المستخدمة فى الشهور الماضية . وقد أجاز قانون التجارة تجزئة الاعتماد إذا كان البنك فاتح الاعتماد مأذوناً له بذلك (م 349ق . التجارة) .

المبحث الثانى

الآثار الناشئة عن عقد الاعتماد المستندى

يترتب على فتح الاعتماد المستندى جملة آثار فى حق أطراف هذا الاعتماد، فهناك آثار تترتب فى العلاقة بين البنك فاتح الاعتماد والمستفيد من الاعتماد ، وآثار تترتب فى العلاقة بين البنك فاتح الاعتماد والعميل الآمر بفتح الاعتماد ، وأخيرا الآثار التى تترتب فى العلاقة بين العميل الآمر والمستفيد من الاعتماد . وسوف نتناول هذه الآثار فى البنود التالية ، علما بأن الاعتماد المستندى يخضع لقاعدة هامة هى استقلال العلاقات الناشئة بين أطرافه جميعا .

أولاً - الآثار الناشئة عن الاعتماد فى العلاقة بين البنك والمستفيد :

يترتب على فتح الاعتماد المستندى البات التزام البنك فى مواجهة المستفيد التزاما نهائيا بتنفيذ هذا الاعتماد ، فالمستفيد ينشأ له حق مباشر فى اقتضاء مبلغ الاعتماد من البنك وذلك بمجرد تصدير خطاب الاعتماد من البنك إلى المستفيد وعلم هذا الأخير به ، والعلاقة بين البنك والمستفيد يحدد أبعادها خطاب الاعتماد lettre de crédit الذى يرسله البنك للمستفيد ، ولو كانت شروطه مختلفة عن شروط عقد فتح الاعتماد ، ففى هذا الخطاب يحدد البنك للمستفيد طبيعة الاعتماد المفتوح لحسابه، قابل للإلغاء أم لا مؤيد أم غير مؤيد ، والمبلغ المحدد فيه ومدته والمستندات التى يجب على المستفيد تقديمها للبنك حتى يستفيد من هذا الاعتماد .

والصفة النهائية والمستقلة لالتزام البنك فى مواجهة المستفيد هى الآثر الفذ لعملية فتح الاعتماد والناحية القانونية البارزة فيه .

ويترتب على إخطار البنك للمستفيد بفتح اعتماد لحسابه بمبلغ معين التزام البنك فى مواجهته فى حدود هذا المبلغ بحيث يكون من حق المستفيد استيفاء هذا المبلغ بالطريقة التى تروق له إذا لم يحدد الاتفاق غير ذلك ، فيجوز له أن يسحب المبلغ نقداً أو يحصل عليه عن طريق سحب كمبيالة مستندية على البنك فاتح الاعتماد أو يقوم بخصم كمبيالة مستندية مرفقة بالمستندات المطلوبة فى خطاب الاعتماد لدى بنك آخر يصير فيما بعد مستفيدا فى مواجهة البنك فاتح الاعتماد .

ولا ينشأ حق المستفيد فى الاعتماد عند تنفيذه عقد البيع الموقع مع المشترى ، وإنما من وقت تقديمه إلى البنك المستندات المطلوبة فى خطاب الاعتماد . وهذا الحق ، كما أشرنا ، حق نهائى فى مواجهة البنك لا يملك الرجوع فيه ، ومستقل عن علاقة العميل الآمر بفتح الاعتماد (المشترى) بالمستفيد (البائع) ، أى عن العلاقة الناشئة عن عقد البيع ومستقل أيضا عن علاقة البنك بعميله الآمر والتى تترتب على عقد فتح الاعتماد . فالبنك يلتزم بمبلغ الاعتماد فى مواجهة المستفيد حتى ولو صدرت له تعليمات من العميل الآمر بعدم تنفيذ الاعتماد بسبب عدم قيام المستفيد بتنفيذ عقد البيع الموقع مع العميل ، أو بسبب فسخ العقد أو قابليته للإبطال ، وذلك لأن حق المستفيد قبل البنك فاتح الاعتماد هو حق مباشر ونهائى من وقت إخطاره بخطاب الاعتماد.

وقد أكدت محكمة النقض فى مناسبات متعددة مبدأ استقلال التزام البنك فاتح الاعتماد عن التزامات العميل المشترى الناشئة عن عقد البيع وأنه ينفذ التزامه الناشئ من خطاب الاعتماد بصفته أصيلا لا وكيلا عن المشترى أو كفيلا له ، فالبنك يلتزم بالوفاء متى تطابقت مستندات البائع مع شروط الاعتماد بصرف النظر عما يحدث بين البائع والمشترى ، فمتى قدم المستفيد المستندات المطلوبة فى خطاب الاعتماد والتى تحدد بدقة نوع البضاعة وكميتها وصفتها وتمام شحنها كان من حقه الحصول على مبلغ الاعتماد ، وذلك لأن التزام البنك قبل المستفيد نهائى ومحدد فلا يجوز له الرجوع فيه بحجة أنه صدر له تعليمات من العميل بوقف الاعتماد لوجود خلافات مع البائع حول تنفيذ العقد، كما لا يجوز للمشترى أن يطلب من القضاء المستعجل تعيين حارس على مبلغ الاعتماد لحين الفصل فى النزاع القائم بينه وبين البائع المستفيد من الاعتماد.

وأكدت هذا المعنى أيضا المادة الثالثة من القواعد الموحدة للاعتمادات المستندية بقولها إن « طبيعة الاعتمادات المستندية تكمن فى أنها مستقلة عن العقود الأصلية حتى ولو أشير فى صلب الاعتماد إلى أى من هذه العقود الأصلية » .

ولا يجوز للبنك أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته فى مواجهة المستفيد بسبـب وفاة العميل الآمـر بالاعتمـاد أو شهر إفلاسه ولكن يجوز له فقط أن يمتنع عن تنفيذ الاعتماد إذا صدر غش من المستفيد ، لأن الغش يفسد كل شىء ، كما يجوز للعميل الآمر فى هذه الحالة أيضاً كما لو ثبت له أن البائع شحن بضائع غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها أو قدم للبنك مستندات مطابقة ولكن مزورة أن يوقع لدى البنك حجز ما للمدين لدى الغير حفاظا على حقوقه قبل البائع المستفيد رغم مخالفته ذلك للضمان الذى يحققه الاعتماد المستندى للمستفيد اعتمادا على أن المحكمة التى سوف تقضى بالحجز سوف تبحث ظروف النزاع وسوف لا تقضى بالحجز إلا إذا كان ادعاء المشترى ظاهر الصحة .

ثانياً - الآثار الناشئة عن الاعتماد المستندى فى العلاقة بين العميل الآمر والمستفيد :

ينظم العلاقة بين العميل الآمر (المشترى) والمستفيد (البائع) عقد البيع المبرم بينهما والذى بسببه أبرم المشترى عقد الاعتماد المستندى لحساب البائع لسداد ثمن المبيع مضافا إليه مصاريف النقل والتأمين إذا اتخذ العقد شكل البيع سيف .

وعلاقة البيع بين العميل الآمر والمستفيد هى علاقة سابقة على عقد فتح الاعتماد ومستقلة عنه، حقا هى السبب فى فتح الاعتماد ولكن ليس للبنك شأن بها والمفروض أنه يجهل تفاصيلها .

وعقد البيع بين العميل الآمر والمستفيد يفرض على كل منهما بعض الالتزامات ، فهو يفرض على المشترى فتح اعتماد لتسوية الثمن طبقا للشروط المتفق عليها فى العقد مع البائع فى الميعاد المحدد لذلك ، فإذا لم يقم المشترى بفتح الاعتماد فى الميعاد المتفق عليه كان من حق البائع أن يمتنع عن شحن البضائع المبيعة أو يطلب فسخ البيع ، ويجوز للبائع أن يُضمن عقد البيع شرطا يقضى بالفسخ التلقائى للعقد دون حاجة إلى إنذار أو حكم قضائى فى حالة إخلال المشترى بالتزامه بفتح الاعتماد المستندى فى الميعاد المتفق عليه ، ولا يكفى لقيام البائع بالتزامه أن يقوم البنك بفتح اعتماد لحساب البائع المستفيد بل لابد من إخطار البائع بذلك عن طريق إرسال خطاب الاعتماد إليه، فخطاب الاعتماد هو الذى يحدد حقوق والتزامات البائع الناشئة عن عقد الاعتماد المستندى .

والتزامات البائع لا تقتصر على تنفيذ عقد البيع وشحن البضائع المبيعة فحسب ، وإنما تمتد لتشمل تقديم المستندات التى تمثل البضائع والمنصوص عليها فى خطاب الاعتماد فى الميعاد المحدد، وإلا جاز للمشترى طلب فسخ البيع والمطالبة بالتعويض عما لحقه من أضرار ومن بينها مصروفات فتح الاعتماد . وإذا كان تسليم المستندات الممثلة للبضائع يخول للبائع الحق فى الحصول على مبلغ الاعتماد من البنك إلا أنه لا يعفى البائع من المسئولية العقدية فى مواجهة المشترى إذا ثبت عند تسلُّمه الفعلى للبضائع أنها غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها من حيث الكمية أو النوعية ، بحيث يكون من حق المشترى مطالبة البائع برد ما دفعه له البنك دون وجه حق إذا ما قضى بفسخ العقد أو بطلانه .







ثالثاً - الآثار الناشئة عن الاعتماد المستندى فى العلاقة بين العميل الآمر والبنك :

يحكم العلاقة بين العميل الآمر بالاعتماد (المشترى) والبنك فاتح الاعتماد عقد فتح الاعتماد الموقع بينهما . ويتضمن هذا العقد بيانات معينة تتعلق بالتزامات كل من العميل الآمر والبنك فاتح الاعتماد ، فهو يشير إلى عقد البيع الذى فتح الاعتماد بسببه وحجم الاعتماد ومدته وشروطه وكذلك المستندات المطلوبة من البائع وحقوق البنك فى رد مبلغ الاعتماد والعمولة والعوائد .

والتزامات العميل الآمر فى مواجهة البنك بعضها يستحق بمجرد فتح الاعتماد دون انتظار تنفيذه وبعضها يستحق عند تنفيذ الاعتماد ، فعمولة البنك ومصروفات فتح الاعتماد تستحق بمجرد فتح الاعتماد ، كذلك عمولة تأييد الاعتماد إذا كان الاعتماد مؤيدًا وعمولة البنك المراسل ، أما التزامات العميل التى تستحق عند تنفيذ الاعتماد فهى رد مبلغ الاعتماد الذى دفعه البنك للمستفيد مقابل تسلُّمه المستندات التى حددها العميل .

وقد يلجأ البنك حفاظا على حقوقه فى مواجهة العميل إلى طلب تقديم ضمانات شخصية أو عينية حتى يقبل فتح الاعتماد المستندى ، وقد يلجأ إلى حبس المستندات الممثلة للبضائع لحين الحصول على مستحقاته قبل العميل، كما أن له حق رهن حيازى على البضائع المبيعة بحيازته للمستندات التى تمثلها ، فله تسلُّمها بدلا من المشترى فى ميناء الوصول ومن حقه أن يطلب بيعها ويستوفى حقه من ثمنها بالأولوية على غيره من الدائنين ، كما أن من حقه استيفاء مستحقاته من تعويض التأمين فى حالة تلفها أو هلاكها بموجب حيازته لوثيقة التأمين التى تمثل البضائع المشحونة .

أما التزامات البنك فى مواجهة العميل فهى تتمثل فى قيامه بتنفيذ ما جاء فى عقد الاعتماد على وجه الدقة ابتداءً من إرسال خطاب الاعتماد للمستفيد ، سواء عن طريق فرعه فى الخارج أو البنك المراسل ، ويجب أن يتضمن الخطاب بدقة ووضوح حقوق المستفيد فى مبلغ الاعتماد ومدته والتزامات العميل المتعلقة بتحديد المستندات المطلوب تقديمها للحصول على مبلغ الاعتماد، ويجب على البنك أن يراعى تنفيذه لهذه الالتزامات والتعليمات الصادرة له من العميل دون نظر لما جاء فى عقد البيع الذى يفترض فى البنك أنه يجهل شروطه .

يلتزم البنك أيضا بوضع مبلغ الاعتماد المتفق عليه تحت تصرف المستفيد وتمكينه من الاستفادة به حسب الانفاق وذلك عند تسليمه المستندات التى نص عليها خطاب الاعتماد .

وفى الواقع يعتبر تسلُّم البنك للمستندات والتحقق من صحتها ومطابقتها على خطاب الاعتماد أهم التزامات البنك فى مواجهة العميل ، فيجب أن يتأكد البنك أن المستندات تم تقديمها أثناء الفترة المحددة لسريان الاعتماد وأنها مطابقة لما جاء فى خطاب الاعتماد وكاملة العدد دون أى نقص ، فإذا تحقق من ذلك وجب عليه دفع مبلغ الاعتماد للمستفيد وإلا كان مسئولا فى مواجهة العميل ، كذلك إذا دفع مبلغ الاعتماد رغم انتهاء سريان الاعتماد أو رغم عدم مطابقة المستندات لتعليمات العميل كان مسئولا فى مواجهة العميل عن خطئه الذى قد يؤدى إلى رفض العميل تسلُّم المستندات ومطالبته بالتعويض عما لحقه من ضرر .

فالتزام البنك بفحص المستندات ومطابقتها على خطاب الاعتماد التزام حرفى يجب أن ينفذ بدقة من البنك دون أى تعديل ، فلا يجوز للبنك أن يقبل مستندا بدلا من آخر أو شهادة دون أخرى حتى ولو وردت إشارة لذلك فى عقد بيع البضائع لأنه ليس طرفا فيه ويفترض جهله به .

وقد نص قانون التجارة الجديد على التزام البنك بمطابقة المستندات لتعليمات الآمر بالاعتماد وذلك فى المادة 347 التى تقول: « على البنك أن يتحقق من مطابقة المستندات لتعليمات الآمر بفتح الاعتماد .

وإذا رفض البنك المستندات وجب أن يخطر الآمر بالرفض مبينا أسبابه ».

كما أكدت محكمة النقض هذا الالتزام فى قضاء لها قالت فيه: « المصرف الذى يفتح اعتمادا مستنديا للوفاء بثمن صفقة تمت بين تاجرين لا يلزم بالوفاء إلا إذا كان هناك تطابق كامل بين المستندات وشروط فتح الاعتماد دون أن يكون للبنك فى ذلك أدنى سلطة فى التقدير أو التفسير . وإذا كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه الثانى - البنك - رفض صرف قيمة الاعتماد للطاعن بناءً على ما اكتشفه من مخالفة بيانات الشهادة الزراعية الصحية لبيانات البضاعة فى باقى المستندات المقدمة من حيث عدد الصناديق المعبأة فيها ووزن كل صندوق ، وأن تلك الشهادة تحمل تاريخا لاحقا لتاريخ الشحن مما شكك البنك فى سلامتها فضلا عن خلوها من بيان صلاحية البضاعة وفق ما تنص عليه شروط فتح الاعتماد ، فإن الحكم إذا انتهى إلى أن المطعون ضده الثانى محق فى عدم الصرف لالتزامه بتعليمات المطعون ضدها الأولى التزاما حرفيا لا يكون قد أخطأ فى فهم الواقع » .

من المستندات التى يجب التحقق منها لصرف الاعتماد فاتورة بيع البضائع والتى تبين ثمن البضائع وأوصافها ، وسند الشحن الذى يمثل البضائع ويدل على تمام شحنها ووثيقة التأمين ، ويمكن أن يتضمن خطاب الاعتماد مستندات أخرى تضاف إلى المستندات السابقة مثل شهادة المنشأ التى تبين الدولة التى أنتجت فيها السلعة محل البيع ، الشهادة الصحية والشهادة الدالة على فحص البضائع من قبل خبير قبل شحنها . والبنك فيما يتطلبه من مستندات مقيد بما جاء فى خطاب الاعتماد فليس له سلطة قبول مستندات تعادل المستندات المطلوبة ، كما لا يجوز له طلب مستندات غير مذكورة فى خطاب الاعتماد .

والتزام البنك بفحص المستندات يقتصر على التحقق من توافرها واكتمال بياناتها ومطابقتها لما جاء فى خطاب الاعتماد ، وهى رقابة شكلية تنصب على أصول المستندات دون صورها الفوتوغرافية ولا تمتد إلى التأكد من خلوها من التزوير إذا كان ظاهرها لا يدعو إلى الشك فى صحتها ولم يكن فى مقدور البنك كشف تزويرها ، أما إذا كان ظاهر المستندات يدعو إلى التشكك ، كما لو تضمنت بعض التعديلات أو تعارضًا فى بياناتها تعين على البنك رفضها وعدم صرف الاعتماد وإلا كان مسئولا عن خطئه فى مواجهة العميل ، والحرص المطلوب من البنك هو الحرص العادى الذى تجرى عليه الأعراف المصرفية .

وقد أكدت ذلك المادة 17 من القواعد الموحدة للاعتماد المستندى عام 1983 بقولها : « إن البنك لا يتحمل مسئولية كون المستندات غير مزورة أو كافية من عدمه أو صحة ما ورد بها من بيانات او مدى القوة القانونية لهذه المستندات ..» .

وقـد نصت المـادة 348 مـن قانـون التجارة الجديد على ذلك أيضا بقولها: « لا مسئولية على البنك إذا كانت المستندات فى ظاهرها مطابقة للتعليمات التى تلقاها من الآمر » .

والتزام البنك بفحص المستندات لا يمتد إلى فحص البضائع محل البيع من حيث كميتها ونوعها ومواصفاتها حتى ولو أمكنه ذلك لأن البنك فاتح الاعتماد ، كما أشرنا سلفا ، أجنبى عن عقد البيع الموقع بين العميل والمستفيد والتزامه ينصب على تنفيذ الاعتماد إذا قدم له المستفيد المستندات المطلوبة فى خطاب الاعتماد لا أكثر ، كذلك لا يسأل البنك عن سوء تنفيذ البائع لالتزامه أو فقد جزء من البضائع المشحونة . وقد نصت على ذلك صراحة المادة 348/2 من قانون التجارة بقولها « ولا يتحمل البنك أى التزام يتعلق بالبضاعة التى فتح الاعتماد بسببها ».

وعلى ذلك ، لا يتحمل البنك أى التزام يتعلق بالبضاعة التى فتح الاعتماد بسببها ولا شأن له بها فهو يتعامل فقط بالمستندات الممثلة لحيازة البضاعة ، فمثلا إذا وصلت البضاعة معيبة أو ناقصة فلا يسأل البنك عن ذلك فهو مسئول فقط عن سلامة المستندات ولا شأن له بخارجها .

نخلص من كل ما سبق إلى أن التزام البنك بتسلُّم المستندات من المستفيد من فتح الاعتماد وفحصها ومطابقتها على ما جاء فى خطاب الاعتماد هو أهم وأخطر التزامات البنك فى مواجهة العميل ، ويترتب على إخلال البنك بهذا الالتزام أو بغيره من الالتزامات الناشئة عن فتح الاعتماد مسئولية البنك فى مواجهة العميل ، فيسأل البنك فى مواجهة العميل إذا صرف الاعتماد لقاء تسلُّم مستندات ناقصة أو غير مطابقة لما جاء فى عقد فتح الاعتماد أو واضحة التزوير ، إذ يكون من حق العميل رفض هذه المستندات والامتناع عن دفع مبلغ الاعتماد للبنك ومطالبته بالتعويض عما لحقه من أضرار ، ويجوز للعميل قبول المستندات ومطالبة البنك بالتعويض عما لحقه من أضرار ، كما يجوز للمحكمة إجباره على ذلك إذا كان الضرر الذى لحقه محدود الأثر.

وفيما يتعلق بالعلاقة بين البنك والبائع المستفيد فالراجح عندنا هو حق البنك فى الرجوع عليه بما دفعه من تعويضات للمشترى بسبب حصوله على مبلغ الاعتماد دون أن ينفذ بدقة التزاماته الناشئة عن خطاب الاعتماد والقول بغير ذلك معناه إثراء البائع على حساب البنك بدون وجه حق .






 9) خطاب الضمان.

خطاب الضمان المصرفى

المبحث الأول

ماهية خطاب الضمان وضمانات البنك

أولاً - تعريف خطاب الضمان :

خطاب الضمان : هو تعهد مكتوب يصدر من البنك بناءً على طلب العميل ويسمى الآمر ، حيث يتضمن التزاما نهائيا ومجردا بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر يسمى المستفيد ، وذلك عند طلبه خلال المدة المحددة فى الخطاب ودون نظر لأى معارضة .

ثانياً - أهمية خطاب الضمان :

خطابات الضمان تعد من العمليات الائتمانية الهامة ذائعة الانتشار فى الحياة العملية ، تقوم بها البنوك بالإضافة إلى منح القروض وفتح الاعتمادات ، ودور البنك فى خطاب الضمان يختلف عن دوره فى منح القروض أو فتح الاعتمادات ، فهو لا يسلم النقود فورا للعميل كما يحدث فى القرض ولا يضعها تحت تصرفه أو تصرف من يعينه خلال فترة محددة كما يحدث فى الاعتمادات وإنما يتعهد البنك - فحسب فى خطاب الضمان - بأن يدفع إلى شخص يعينه العميل (المستفيد من الخطاب) مبلغا معينا عند الطلب خلال مدة محددة ، وقد يحدث هذا الطلب وقد لا يحدث ، فالبنك لا يدفع شيئا عند إصدار خطاب الضمان ، بل قد لا يدفع رغم إصداره وحتى انتهاء مدته إذا لم يطلب المستفيد مبلغ الخطاب ، ولذلك قيل إن البنك فى هذه العملية لا يقرض العميل مبلغا فوريا وإنما يقرضه توقيعه Perte sa signature .

وتكمن أهمية إصدار خطابات الضمان فى المزايا التى تحققها لأطرافها وهم : العميل الآمر والبنك والمستفيد .

فأهميته بالنسبة للعميل الآمر تتمثل فى حلوله محل التأمين النقدى الذى تطلبه عادة المصالح الحكومية والشركات الكبيرة من المقاولين ومتعهدى التوريد عند الدخول فى المزايدات أو المناقصات، إذ إنه يتعين على المقاولين ومتعهدى التوريد ، ضمانا لجدية العطاءات التى يقدمونها وحسن تنفيذها ، تقديم تأمين نقدى للجهة المتعاقد معها ، ولما كان تقديم هذه الضمانة يضر المقاول أو متعهد التوريد لكبر حجمها ؛ لأنها غالبا ما تمثل نسبة مئوية من قيمة التعهد المطلوب تنفيذه ، هذا فضلا عن تجميد مبلغ كبير قد يكون العميل فى مسيس الحاجة إليه سواء فى تنفيذ المشروع مزمع القيام به أو فى مشروعاته على وجه العموم ، أضف إلى ذلك: ما قد يصاحب استرداد هذا التأمين من صعوبات وإجراءات مطولة بعد الانتهاء من تنفيذ المشروع ، لذلك يفضل العميل أن يستبدل هذا التأمين بتقديم خطاب ضمان صادر من البنك ، وتقدم خطابات الضمان فى حالات أخرى غير الحالة السابقة مثل تقديمها من الممولين الوطنيين إلى مصلحة الضرائب لضمان سداد أقساط الضرائب أو من الأجانب الذين يعودون لبلادهم نهائيا بعد انتهاء أعمالهم ، كذلك من المحجوز عليهم لرفع الحجز الموقع على السفينة ، وتقوم خطابات الضمان بدور هام فى حالة الاشتراك فى المناقصات الدولية ؛ إذا إنها توفر على مقدمها القيام بإجراءات تحويل العملة واستردادها ،وتحميه مما قد يتعرض له من خسارة نتيجة لاحتمال انخفاض أسعار العملة عند استرداد الضمان .

وفائدة خطاب الضمان بالنسبة للبنك تتمثل فى العمولة التى يحصل عليها من العميل نظير إصداره الخطاب ، حتى ولو لم يدفع شيئًا للمستفيد، وفى الغالب ينفذ العميل التزاماته تجاه المستفيد ولا يسدد البنك قيمة الخطاب ، الأمر الذى يحقق ميزة للبنك دون خسائر ، وحتى فى الفرض العكسى الذى يخل فيه العميل بالتزاماته تجاه المستفيد ويضطر البنك لدفع قيمة خطاب الضمان ، فالبنك لا يخسر كثيرا لأنه غالبا ما يكون قد حصل من العميل على مقابل نقدى أو عينى كغطاء لخطاب الضمان، ولا تزداد المخاطر بالنسبة للبنك إلا فى حالة عدم تنفيذ العميل لالتزاماته تجاه المستفيد واضطراره لدفع قيمة خطاب الضمان رغم عدم تقديم غطاء كاف من العميل ، كما لو أصدر البنك الخطاب لمجرد الثقة الشخصية فى العميل ، أو مع الحصول على ضمانات غير كافية، ويثبت الواقع العملى للبنك أن العميل غير أهل لهذه الثقة ، أو أن ما دفعه البنك يجاوز كثيرا قيمة ما قدمه العميل من ضمانات .

ومزايا الخطاب بالنسبة للمستفيد (من صدور الخطاب لصالحه) هو الحصول على تعهد أكيد من شخص ذى مركز مالى متين وهو البنك بدفع قيمة الخطاب عند طلبه من المستفيد دون اعتداد بأية معارضة من العميل الآمر، فخطاب الضمان فى يد المستفيد بمثابة نقود مودعة لحسابه لدى البنك يمكن استردادها عند إخلال العميل بالتزاماته تجاه المستفيد .

ويعتبر إصدار خطابات الضمان كغيره من أعمال البنوك من قبيل الأعمال التجارية تطبيقا لنص المادة الخامسة فقرة (و) من قانون التجارة الجديد بشرط أن يزاول البنك عمليات البنوك على وجه الاحتراف ودون نظر إلى صفة من صدر له الخطاب كما لو صدر الخطاب لصالح شخص غير تاجر .

ثالثاً - الطبيعة القانونية لخطاب الضمان :

وقد ثار خلاف فى الفقه حول تحديد الطبيعة القانونية لالتزام البنك الناشئ عن خطاب الضمان فى مواجهة المستفيد ، ومصدر الخلاف هو محاولة الفقه تأصيل هذا الخطاب وفقاً للقواعد العامة فى القانون المدنى رغم ما يوجد بينها وبين العمليات المصرفية من اختلاف منشأ تأسيسها على أعراف وعادات تجارية ، ونجد الفقه يردد وهو بصدد الطبيعة القانونية لخطاب الضمان ومحكمة النقض فى قضاء لها تقول: « من المقرر فى قضاء محكمة النقض أن خطاب الضمان ، وإن صدر تنفيذا للعقد المبرم بين البنك والمدين المتعامل معه ، إلا أن علاقة البنك بالمستفيد الذى صدر خطاب الضمان لصالحه هى علاقة منفصلة عن علاقته بالعميل ، إذ يلتزم البنك وبمجرد إصداره خطاب الضمان ووصوله إلى المستفيد بوفاء المبلغ الذى يطالب به هذا الأخير باعتباره حقا له ، يحكمه خطاب الضمان ، ما دام هو فى حدود التزام البنك المبين به ، كما أن البنك ، مصدر خطاب الضمان ، لا يعتبر وكيلا عن العميل فى الوفاء للمستفيد بقيمة خطاب الضمان ، بل إن التزام البنك فى هذا لحسابه التزام أصيل، ويترتب على ذلك أن ما يقوم العميل بدفعه للبنك لتغطية خطاب الضمان إنما هو تنفيذ وتأمين للعلاقة القائمة بين العميل والبنك وحدهما ، ولا صلة للمستفيد بها » .

وفى قضاء آخر تقرر نفس المحكمة أن البنك فى التزامه بخطاب الضمان إنما يلتزم بصفته أصيلا قبل المستفيد لا بوصف كونه نائبا عن عميله . فإذا قام البنك بصرف مبلغ الضمان للمستفيد فإنه ليس للعميل أن يتحدى بوجوب أعذاره هو قبل صرف مبلغ التعويض المبين فى خطاب الضمان « كذلك على المدين عميل البنك أن يبدأ هو بالشكوى إلى القضاء إذا قدر أنه غير مدين للمستفيد أو أن مديونيته لا تبرر ما حصل عليه المستفيد من البنك » .

وقد أكد قانون التجارة الجديد مبدأ نهائية التزام البنك واستقلاله بقوله فى المادة 358: « لا يجوز للبنك أن يمتنع عن الوفاء للمستفيد لسبب يرجع إلى علاقة البنك بالآمر أو إلى علاقة الآمر بالمستفيد » . وفيما يتعلق بالتزام البنك، فمنهم من يعتبر خطاب الضمان كفالة ومنهم من يعتبره إنابة ناقصة ، وآخرون يعتبرونه من قبيل الاشتراط لمصلحة الغير.

والواقع أن التزام البنك فى مواجهة المستفيد التزام نهائي ومجرد مصدره التعهد المكتوب الوارد فى خطاب الضمان الصادر من البنك ، وهو التزام مستقل عن العلاقات السابقة ، سواء تلك التى نشأت بين العميل الآمر والمستفيد أو بين العميل الآمر والبنك ، وهو يشبه إلى حد كبير التزام البنك فى مواجهة المستفيد من الاعتماد المستندى سابق الإشارة إليه ، ومن مظاهر استقلال التزام البنك عن التزام العميل أن البنك يلتزم بدفع خطاب الضمان ولو تعرضت علاقة العميل بالمستفيد للإبطال أو الفسخ ، فالبنك بإصداره خطاب الضمان لا يضمن تنفيذ العميل لالتزامه فى مواجهة المستفيد ولا يتعهد بسداد دين المستفيد فى ذمة العميل ، ولذلك لا يعتبر البنك كفيلا للعميل ، فخطاب الضمان بعيد عن عقد الكفالة ، فإذا كانت الكفالة تنشئ على الكفيل التزاما تابعا لالتزام الأصيل ؛ فإن خطاب الضمان ينشئ على الضامن التزاما مستقلا ومنفصلا عن الالتزام المكفول ، وهذا الاستقلال هو جوهر خطاب الضمان ، فلا يجوز للبنك أن يمتنع عن تنفيذ التزامه استنادا إلى سبب مستمد من علاقة الآمر بالمستفيد أو من علاقته بالآمر وذلك لاستقلال العلاقات عن بعضها .

وقد أكد القضاء فى مناسبات متعددة الصفة المجردة والمستقلة لالتزام البنك عن التزام العميل فى مواجهة المستفيد .

رابعاً - ضمانات البنك لإصدار خطاب الضمان :

عادة يطلب البنك من العملاء ضمانات لتغطية التعهدات التى يلتزم بها بناءً على طلبهم ، كما هو الحال عند فتح الاعتمادات أو إصدار خطابات الضمان ، وتسمى الضمانات التى يطلبها البنك من العميل عند إصدار خطاب الضمان بالغطاء .

وقـد أشار قانـون التجارة إلى هـذا الغـطاء وأشكاله فى المادة 356 بقـوله : " يجوز للبنك أن يطلب تأمينا مقابل إصدار خطاب الضمان . ويكون هذا التأمين نقدا أو صكوكا أو بضائع أو تنازلا من الآمر عن حقه قبل المستفيد " .

كما نصت المادة 359/2 من نفس القانون على أن " يلتزم البنك بأن يرد فى نهاية مدة سريان خطاب الضمان ما قدمه الآمر من تأمين للحصول على هذا الخطاب ".

ويتضح من النصوص السابقة، أن غطاء خطاب الضمان قد يتخذ أشكالا مختلفة ، فقد يكون مبلغًا نقديًا يقدمه العميل للبنك أو أمرا من العميل إلى البنك ، يقيد مبلغ الغطاء فى الجانب المدين من الحساب الجارى للعميل لدى البنك ، وقد يكون عينيا وذلك بترتيب رهن على عقار أو منقول يملكه العميل لصالح البنك ، وقد يتخذ الغطاء صورة تقديم أوراق تجارية أو مالية للبنك أو مستندات تمثل البضائع المملوكة للعميل ، وقد يتخذ الغطاء شكل تنازل من العميل للبنك عن حقوقه قبل المستفيد الناشئة عن تنفيذ العملية مزمع القيام بها والتى صدر خطاب الضمان بشأنها ، وقد يتخذ الغطاء شكل إبرام وثيقة تأمين من العميل لصالح البنك يحصل بمقتضاها البنك على مبلغ التأمين فى حالة اضطراره دفع قيمة الخطاب للمستفيد ، وسوف نتناول شرح صور الغطاء المنتشرة فى العمل بشىء من التفصيل.

1- الغطاء النقدى :

وهى الصورة التى يتخذها الغطاء فى أغلب الحالات ، وفيها إما أن يقدم العميل المبلغ المطلوب نقدا إلى خزينة البنك أو يخصمه البنك من الحساب الجارى للعميل لديه ، ويقوم البنك فى الحالتين بإيداع الغطاء فى حساب يسمى باحتياطى إصدار خطابات الضمان ، ولا يجوز للعميل التصرف فيه إلا بعد انتهاء التزام البنك المتعلق بخطاب الضمان ، وفى بعض الأحوال يكتفى البنك بالتأشير على حساب العميل ، بالتحفظ على المبلغ المطلوب كغطاء للخطاب، ولكن هذا الحل لا يخلو من المخاطر إذ إنه يصعب فى بعض الأحيان التحقق من أن رصيد العميل الدائن فى الحساب لا يقل عن المبلغ المراد الاحتفاظ به كغطاء لخطاب الضمان وما يصاحب ذلك من احتمالات تعرض البنك لفقدان جزء غير قليل من مبلغ الغطاء المطلوب اجتيازه .

2- الغطاء بأوراق مالية :

قد لا يملك العميل نقودا سائلة ولكنه يملك أوراقًا مالية كالأسهم والسندات فيقدمها للبنك كغطاء لخطاب الضمان ، وفى هذه الحالة يقدر البنك قيمة هذه الأوراق حسب سعر السوق مع مراعاة احتمالات تقلب الأسعار فى البورصة ، ويتفق البنك مع العميل على الاحتفاظ بهذه الأوراق على سبيل الرهن وعلى حق البنك فى بيعها دون الرجوع للعميل إذا لم يقم بسداد ما دفعه البنك لقاء إصداره لخطاب الضمان ، ويودع البنك هذه الأوراق فى ملف خاص تحت اسم "إيداعات بضمان " على أن يفرج عن هذه الأوراق عند انتهاء مدة خطاب الضمان بلا دفع من قبل البنك .

وقد يقدم العميل للبنك أوراقًا تجارية (كمبيالات أو سندات إذنية) محررة أو مظهرة لصالحه إلى البنك كغطاء لخطاب الضمان ، وعندئذ يقوم العميل بتظهير هذه الأوراق تظهيرا تأمينيا للبنك . وقد يحرر البنك سندا إذنيا أو كمبيالة لصالح البنك بمبلغ يعادل قيمة مبلغ خطاب الضمان ، وكانت البنوك فى ظل القانون الملغى تفضل تحرير الشيكات عن تحرير السندات الإذنية نظرا لما يتمتع به وفاء الشيكات من حماية جنائية وهى معاقبة مُصدر الشيك بعقوبة الحبس والتى أصبحت الحبس والغرامة خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين عند إصدار الشيك بدون رصيد (وفقا للمادة 534 من قانون التجارة الجديد).

3- البضائع كغطاء لخطاب الضمان :

يمكن أن يضع العميل تحت تصرف البنك بضائع كغطاء لخطاب الضمان، وذلك بتسليمه سند الشحن الذى يمثل البضائع أو إيصال المخزن المودعة به البضائع ، ولكن هذه الوسيلة قليلة الانتشار من الناحية العملية .

4- التنازل عن حقوق العميل فى العملية مزمع القيام بها كغطاء لخطاب الضمان :

قد يتمثل غطاء خطاب الضمان فى تنازل العميل للبنك عن حقوقه الناشئة عن العملية مزمع القيام بها ، بحيث يحل البنك محل العميل فى حقوقه قبل المستفيد . وقبول هذا الشكل من الغطاء يتطلب من البنك دراسة العملية مزمع القيام بها ومعرفة حقوق العميل فيها وعمل تحريات كافية عن العميل للتحقق من مركزه المالى وسمعته التجارية ومدى ملاءمته المالية ، كذلك حجم التسهيلات الائتمانية التى حصل عليها العميل من البنوك الأخرى .

وقد أجازت المادة 75 من لائحة المناقصات والمزايدات أن يتم التنازل لأحد البنوك فى مقاولات الأعمال دون تصديق على التوقيعات اكتفاء بتصديق البنك ، ويبقى المتعهد أو المقاول مسئولا بطريق التضامن مع المتنازل إليه فى تنفيذ العقد .

مقدار الغطاء :

يتوقف مقدار الغطاء على عدة عوامل أهمها ثقة البنك فى العميل ومعاملاته مع البنك ، ومدة الخطاب والمبلغ الذى يتعهد البنك بدفعه بموجب خطاب الضمان ، فإذا كان العميل يتمتع بثقة كبيرة لدى البنك ولديه معاملات كثيرة معه ؛ كأن يكون له حساب جارٍ لدى البنك أو يودع مبالغ ضخمة لديه فإن البنك لا يطلب غطاءً كبيرًا لإصدار خطاب الضمان فقد يكتفى بـ 20 أو 30% كغطاء لخطاب الضمان ، أما إذا كان العميل لا يتمتع بثقة البنك أو ليس لديه معاملات معه فقد يطلب البنك غطاءً كبيرًا يصل إلى 100% من قيمة خطاب الضمان . وعلى أى حال فثقة البنك فى العميل لا ينبغى أن تصدر من فراغ بل يجب - حرصا على أموال البنك- أن تكون بناء على تحريات دقيقة ومؤكدة عن المركز المالى للعميل ومعاملاته ومدى قدرته على الوفاء بالتزاماته ، كذلك مدة الخطاب والمبلغ المطلوب التزام البنك بدفعه تدخل فى اعتبار البنك عند تقدير غطاء خطاب الضمان فحجم الغطاء يزيد مع زيادة مبلغ الخطاب وطول مدته .

وقد يصدر البنك خطاب الضمان على المكشوف أو دون غطاء ، وذلك إذا كان لديه ثقة كبيرة فى العميل ، أو إذا كان الخطاب من الخطابات الخارجية التى تصدر لصالح شخص مقيم بناء على طلب شخص غير مقيم ، فإن البنك المحلى فى هذا الفرض لا يتقاضى من البنك الأجنبى الذى يستصدر الخطاب غطاء له إذا كان ذلك البنك من بنوك الدرجة الأولى التى يعتمدها البنك المركزى بهذا الوصف على أساس مبدأ المعاملة بالمثل .

المبحث الثانى

الآثار المترتبة على إصدار خطاب الضمان

يترتب على إصدار خطاب الضمان من البنك بناء على طلب العميل الآمر ولصالح المستفيد عدة آثار قانونية سواء فى العلاقة بين البنك والمستفيد أو فى العلاقة بين البنك والعميل .

أولاً - آثار خطاب الضمان فى العلاقة بين البنك والمستفيد :

يترتب على قيام البنك بإصدار خطاب الضمان التزام البنك فى مواجهة المستفيد ، وذلك بمجرد وصول الخطاب إلى علمه وفى حدود الشروط الواردة فى الخطاب والخاصة بدفع المبلغ المذكور فيه، والتزام البنك بدفع مبلغ الخطاب التزام بات ونهائي فلا يجوز له الرجوع فيه ، وهو التزام مستقل عن علاقة العميل بالمستفيد ، فيجب على البنك الوفاء به رغم ما يعترى علاقة العميل والمستفيد من بطلان أو فسخ ، وقد أكدت هذا المعنى المادة 358 من قانون التجارة بقولها : « لا يجوز للبنك أن يمتنع عن الوفاء للمستفيد لسبب يرجع إلى علاقة البنك الآمر أو إلى علاقة الآمر بالمستفيد » .

والأصل أن التزام البنك تجاه المستفيد من الخطاب ليس التزاما مطلقا بل هو التزام مقيد بفترة زمنية محددة فى خطاب الضمان إذا لم يتم الوفاء بقيمة الخطاب خلالها سقط التزام البنك وكان من حق العميل أن يسترد من البنك ما قدمه من غطاء لهذا الخطاب ، وقد أكدت هذا المعنى المادة 359/1 من قانون التجارة بقولها : « تبرأ ذمة البنك قبل المستفيد إذا لم يصل خلال مدة سريان خطاب الضمان طلب من المستفيد بالدفع ، إلا إذا اتفق صراحة على تجديد تلك المدة تلقائيا أو وافق البنك على مدها » .. أما إذا لم يتضمن الخطاب مدة معينة يتم الوفاء بقيمة الخطاب خلالها اعتبر التزام البنك غير محدد المدة ويكون من حق البنك حينئذ أن ينهى التزامه فى أى وقت بشرط إخطار العميل والمستفيد قبل الإنهاء بوقت مناسب .

ويجوز الاتفاق بين البنك والعميل على مد أجل خطاب الضمان للمستفيد ، وذلك إذا كان الخطاب قد صدر ضمانا لمشروع معين كإقامة مدينة سكنية مثلا وانتهى أجل الخطاب قبل انتهاء المشروع وحينئذ يتفق على منح أجل جديد للمقاول لانتهاء المشروع بشرط امتداد العمل بخطاب الضمان وحينئذ يجب على العميل الاتفاق مع البنك على مد أجل خطاب الضمان أو إصدار خطاب جديد وإخطار المستفيد بذلك ، ولكن لا يجوز للبنك أن يمد خطاب الضمان دون موافقة العميل حتى ولو طلب منه المستفيد ذلك ، فليس من حق المستفيد طلب تعديل خطاب للضمان أو مد أجله من البنك فهو ملتزم بما جاء فى خطاب الضمان من شروط فإذا كان الخطاب لا يتضمن حق المستفيد فى طلب تجديد مدة سريانه لمدة أخرى لا يجوز للمستفيد أن يطلب هذا التجديد حتى ولو كانت لائحة المناقصات والمزايدات تقضى بغير ذلك ، بل لا يجوز للبنك أن يمد أجل الخطاب دون موافقة عميله وإلا كان ذلك على مسئوليته أى لا يستطيع الرجوع عليه إذا وفى هو للمستفيد إلا إذا أمكن اعتبار البنك عند مد أجل الخطاب فضوليا عن العميل يتولى عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب شخص آخر دون أن يكون ملزما بذلك (م188 مدنى) . وقد نصت المادة 359 من ق. التجارة الجديد على ضرورة الاتفاق الصريح أو موافقة البنك للتجديد التلقائى لخطاب الضمان .

ويترتب على التزام البنك بإرادته المنفردة قبل المستفيد أنه يلتزم بصفته أصيلا وليس نائبا عن العميل أو متعهدا فى عقد اشتراط لمصلحة الغير ونتيجة ذلك استقلال البنك فى التزامه عما ينشأ من علاقات أخرى قد تثور بمناسبة الخطاب كعلاقة البنك بالعميل أو هذا الأخير بالمستفيد ، ومن مظاهر استقلال حق المستفيد قبل البنك ما يلى :

1- لا يجوز للبنك التمسك بالمقاصة فى مواجهة المستفيد بسبب دين له فى مواجهة العميل الآمر بإصدار خطاب الضمان (كما لو كان هذا الأخير لم يقدم الغطاء المطلوب لخطاب الضمان) ، وذلك لأن هذه العلاقة مستقلة من حيث أطرافها ومحلها عن علاقة البنك بالمستفيد ، فهذا الأخير من الغير بالنسبة لهذه العلاقة .

2- لا يستطيع البنك التمسك بالمقاصة لدين له قبل المستفيد من الخطاب قبل مطالبة المستفيد بمبلغ الخطاب لأن حق المستفيد فى مبلغ الخطاب لا يدخل فى ذمته المالية إلا بعد طلبه من البنك خلال مدة معينة ، فهو لا يقيد فى الجانب الإيجابي لذمة المستفيد ما دام لم يطالب به وبالتالى لا تجوز المقاصة ، وعلى العكس تجوز المقاصة بعد طلب قيمة الخطاب من المستفيد ذلك لأن الخطاب بعد تحويله إلى مبلغ نقدى ودخوله فى ذمة المستفيد وقيده فى الجانب الإيجابى لحسابه يجيز للبنك التمسك فى مواجهة المستفيد بالدفوع المستمدة من علاقتهما الشخصية مباشرة كالدفع بالمقاصة عن دين للبنك فى مواجهة المستفيد.

وإذا كانت شخصية العميل وملاءته المالية محل اعتبار لدى البنك عند موافقته على إصدار خطاب الضمان فإنه على العكس من ذلك لا تعتبر شخصية المستفيد من الخطاب محل اعتبار لدى البنك فيستوى لدى البنك أن يدفع قيمة خطاب الضمان لأى جهة يحددها العميل ، وذكر اسم المستفيد فى خطاب الضمان لا يعنى أن شخصه محل اعتبار لدى البنك وإنما الهدف منه تحديد التزامات البنك تجاهه بطريقة واضحة ومحددة .

ومع ذلك فقد اتجه قانون التجارة الجديد إلى تعليق حق المستفيد فى التنازل عن حقه إلى الغير على موافقة البنك والعميل معا ، فنجد المادة 357 من قانون التجارة تنص على أنه " لا يجوز للمستفيد التنازل عن حقه الوارد بخطاب الضمان إلا بموافقة البنك ، وبشرط أن يكون البنك مأذونا من قبل الآمر بإعطاء هذه الموافقة " .

وهذا يعنى أن القانون الجديد تبنى الاتجاه الذى يعتبر خطاب الضمان ذا طابع شخصى بحيث يجب صرفه إلى المستفيد عند أول طلب له ، ولا يجوز لهذا الأخير تظهيره لغيره ، خاصة أنه لا يتضمن شرط الإذن ولا يعتبر لذلك ورقة تجارية ، ولا يجوز له أن يتنازل عنه لأى شخص آخر بأى طريق حتى ولا بالتبعية لتنازله عن عقد المقاولة الأصلى ، لأن شخصية المستفيد من الخطاب وأمانته محل اعتبار لدى عميل البنك . وقد أكدت المحكمة الإدارية العليا هذا الاتجاه فى قضاء لها قررت فيه « أن خطاب الضمان ليس مثل الشيك أداة وفاء وإنما هو أداة ضمان ، فطبيعة خطاب الضمان تختلف عن طبيعة الشيك إذ إن خطاب الضمان شخصى ولا يجوز للمستفيد تظهيره أو التنازل عنه لأى شخص بأى طريق وبالتالى فليست له أية قيمة ذاتية إلا للشخص المستفيد.

ثانياً - آثار خطاب الضمان فى العلاقة بين البنك والعميل :

يترتب على العقد المبرم بين العميل والبنك والذى بموجبه يصدر البنك خطاب الضمان عدة التزامات تقع على عاتق كل من العميل والبنك ، وهذه الالتزامات المتبادلة هى كما يلى :

التزامات البنك :

يلتزم البنك بناءً على العقد المبرم بينه وبين العميل بإصدار خطاب ضمان وفقا للبيانات التى يقدمها له العميل . ومضمون هذا الخطاب هو تعهد البنك فى مواجهة شخص معين هو المستفيد من الخطاب بدفع مبلغ معين خلال مدة معينة بمجرد طلبه من المستفيد ودون إخطار العميل بل رغم معارضته .

وبمجرد صدور خطاب الضمان وإرساله للمستفيد ينشأ لهذا الأخير حق مباشر قبل البنك ، فلا يشترط قبول المستفيد للخطاب ، وإنما يكفى مجرد علمه به حتى يتأكد حقه عليه ؛ وذلك لأن التزام البنك تجاه المستفيد مصدره إرادته المنفردة وليس العقد المبرم بينه وبين المستفيد حتى نقول بضرورة قبول المستفيد له ، ويفترض علم المستفيد بخطاب الضمان من قيامه باستلام هذا الخطاب ، ومتى وصل الخطاب إلى علم المستفيد التزم البنك فى مواجهته التزاما نهائيا وإنما لا يجوز الرجوع فيه أو العدول عنه .

أما قبل وصول الخطاب إلى علم المستفيد من حق البنك تعديله أو العدول عنه ، وقد أكدت محكمة النقض هذا المعنى فى قضاء لها قالت فيه : " يلتزم البنك بمقتضى خطاب الضمان وبمجرد إصداره ووصوله إلى المستفيد بوفاء المبلغ الذى يطالب به هذا الأخير باعتباره حقا لا يحكمه خطاب الضمان " .

ونهائية التزام البنك ضرورية لتحقيق الوظيفة الاقتصادية المنشودة من خطاب الضمان وهى حلوله محل التأمين النقدى ، فيجب على من يتلقى خطاب الضمان أن يشعر بنفس الأمان الناتج عن إيداع مبلغ نقدى تحت تصرفه، وهذا لا يتحقق إلا بكون التزام البنك نهائيا وباتا قبل المستفيد ومستقلاً عن العلاقة مع العميل .

ويتميز التزام البنك فى مواجهة العميل باستقلاله عن علاقة العميل بالمستفيد ، فلا أثر لدفوع العميل قبل المستفيد على التزام البنك المباشر تجاه المستفيد ، كذلك لا يتأثر التزام البنك بالإبراء الصادر من المستفيد إلى العميل ، ولا يجوز للبنك الامتناع عن دفع قيمة الخطاب للمستفيد بناء على أسباب يبديها العميل تبرئ ذمته قبل المستفيد، وذلك لأن التزام البنك مستقل عن علاقة العميل بالمستفيد كما أشرنا من قبل ، وإذا ادعى العميل أن المستفيد حصل على قيمة الخطاب بدون وجه حق كان عليه أن يقاضيه ولا يلوم البنك على دفع مبلغ الخطاب له . وفى ذلك تقول محكمة النقض: « على المدين - عميل البنك - أن يبدأ هو بالشكوى إلى القضاء إذا قدر أنه غير مدين أو أن مديونيته لا تبرر ما حصل عليه المستفيد من البنك » .

والقضاء الفرنسى أيضا مستقر على استقلال التزام البنك قبل المستفيد عن علاقة البنك بالعميل إذ قضى بعدم أحقية العميل فى منع البنك من الوفاء بالتزامه المباشر قبل المستفيد لإخلال هذا الأخير بالتزاماته قبل العميل. ومع ذلك أجاز القضاء على سبيل الاستثناء تجميد خطاب الضمان عند صدور غش من المستفيد، وذلك تأسيساً على قاعدة الغش يفسد كل شىء إذا اعتبرت محكمة النقض طلب الشركة المستفيدة بمصادرة خطاب الضمان رغم علمها الأكيد بتمام تنفيذ العميل لما كلف به من قبيل الغش الذى يفسد كل شىء وبالتالى يحق للعميل بمقتضاه تجميد خطاب الضمان . وهذا الحكم يخلطدون شك بين العلاقة الأصلية بين العميل والمستفيد وبين العلاقة المستقلة الناشئة بين البنك والمستفيد والتى كان ينبغى ألا تتأثر بالعلاقة الأولية السابقة لأن من شأن هذا الخلط المساس بالدور الذى يؤديه خطاب الضمان كبديل للتأمين النقدى وبما استقر عليه العرف المصرفى داخليا ودوليا من حيث استقلال التزام البنك فى مواجهة المستفيد عن التزام العميل فى مواجهة هذا الأخير ، وربما الذى دفع القضاء إلى هذا الاتجاه هو الرغبة فى تحقيق العدالة التى تحول دون تجريد التزام البنك تجريدا مطلقا عن العلاقة الأصلية السبب فى نشوء هذا الالتزام .

التزامات العميل فى مواجهة البنك :

يلتزم العميل وفقا للعقد المبرم بينه وبين البنك ويسمى الاعتماد بالضمان برد المبالغ التى دفعها البنك إلى المستفيد بمقتضى خطاب الضمان ، والتزام العميل بالرد هنا ناشئ عن العقد المبرم بينه وبين البنك وليس عن خطاب الضمان الصادر من البنك مباشرة إلى المستفيد ، وعلى ذلك إذا دفع البنك للمستفيد مبلغ الخطاب دون مراعاة تعليمات العميل الواردة فى العقد المبرم معه، فإن هذا الوفاء يكون غير صحيح ولا يجوز للبنك أن يرجع به على العميل.

ويلتزم العميل أيضا فى مواجهة البنك بدفع العمولة والمصاريف والفوائد المستحقة عن قيام البنك بإصدار خطاب الضمان أو بتقديم الغطاء المتفق عليه مع البنك لإصدار الخطاب إلى غير ذلك من الالتزامات التى يفرضها البنك على العميل لضمان استرداد ما يدفعه من مبالغ للمستفيد .

وقد أكد قانون التجارة الجديد هذا المعنى بنصه فى المادة 360 على أنه: «إذا دفع البنك للمستفيد المبلغ المتفق عليه فى خطاب الضمان حل محله فى الرجوع على الآمر بمقدار المبلغ المدفوع وفوائده من تاريخ دفعه » .

وقد أورد القانون هذا الحكم وذلك لأن البنك عندما يؤدى قيمة خطاب الضمان للمستفيد فهو يؤدى التزاما يقع عليه هو لا على العميل الآمر فلا يحل محله إلا بنص صريح .

انقضاء التزام البنك الناشئ عن خطاب الضمان :

ينقضى التزام البنك الناشئ عن إصدار خطاب الضمان بأحد الأسباب الآتية :

1- انقضاء الأجل المحدد فى الخطاب دون تقدم المستفيد للمطالبة بحقه الناشئ عـن هذا الخطاب، أو مرور مدة التقادم المقررة قانونا لذلك وهى خمسة عشر عاما من تاريخ استحقاق الالتزام، ويستتبع ذلك براءة البنك أمام المستفيد من مبلغ الخطاب وأحقية العميل فى استرداد الغطاء المودع لدى البنك . أما إذا قام البنك رغم انتهاء المدة المحددة لدفع الخطاب ودون مد مدته بالاتفاق مع العميل بدفع قيمة الخطاب للمستفيد كان مسئولا عن ذلك ولا يجوز له الرجوع على العميل بما دفعه للمستفيد بدون وجه حق » .

2- إعادة الخطاب إلى البنك قبل الأجل المحدد لاستخدامه ، ويحدث ذلك عند قيام العميل بتنفيذ الالتزامات التى تعهد بها فى مواجهة المستفيد وفقا للمواصفات المتفق عليها قبل ميعادها ، أو اتفاق العميل والمستفيد على رد خطاب الضمان للبنك دون استخدامه وإحلال وسيلة أخرى للضمان بدلا منه فى مواجهة المستفيد وتعادل قيمة خطاب الضمان ، وفى هذا الفرض يمكن أن يعيد المستفيد للبنك خطاب الضمان الصادر منه إليه أو يقدم المستفيد للبنك ما يفيد بشكل قاطع تنازله عن حقه الناشئ عن الخطاب وذلك لأن الخطاب ليس له قيمة فى ذاته .

3- استعمال المستفيد حقه الناشئ عن خطاب الضمان وحصوله على مبلغ التأمين أثناء الأجل المحدد فى الخطاب ، وفى هذا الفرض ينقضى التزام البنك فى مواجهة المستفيد من الخطاب بالوفاء ولكنه يحل بقيمة هذا الخطاب محل المستفيد فى الرجوع على العميل الآمر وذلك فى حدود مبلغ الخطاب الذى دفعه لهذا المستفيد ، وفى ذلك تقول المادة 360 من قانون التجارة « إذا دفع البنك للمستفيد المبلغ المتفق عليه فى خطاب الضمان حل محله فى الرجوع على الآمر بمقدار المبلغ المدفوع وفوائده من تاريخ دفعه » .

المشاركات الشائعة