وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

     .. سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". **** وعن أبي هريرة و أبي سعيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر *** قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ لخمس ما أثقلَهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفَّى للمرء المسلم فيحتسبه ***

ad

الأحد

توبة الصحابي الجليل " أبو لبابة رضي الله عنه



توبة الصحابي الجليل " أبو لبابة رضي الله عنه


 لقد خانت بنو قريظة العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،



 وكما نعلم في غزوة الخندق خانت العهد، وبعد الغزوة الرسول عليه الصلاة والسلام قرر أن يذهب، ويحاصر بني قريظة، وبالفعل حاصر بني قريظة خمسة عشر ليلة ومتصلة حتى أصابهم اليأس والفزع، فطلبت بنو قريظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم رجلا للتفاوض معه، واختاروا أبا لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه وأرضاه وهو من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الأنصار، ومن الأوس، ولماذا اختارواهذا الرجل؟




لأنه كان حليفا لهم في الجاهلية، فقالوا:




من الممكن أن نتكلم معه ونتفاهم معه ويكون قلبه رحيما علينا. فاختاروا هذا الرجل، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد عزم على أن يقتل بني قريظة لأنهم خانوا الرسول صلى الله عليه وسلم خيانة ضخمة جدا، وكانوا سوف يدخلون قريشا إلى داخل المدينة المنورة، ويستأصلون كل المسلمين في المدينة المنورة، فالجزاء من جنس العمل، وقرر قتل بني قريظة، فلما طلبوا أبا لبابة، ذهب إليهم للتفاوض، والتحاور معهم، والرسول نبه أبا لبابة ألا يخبر اليهود بهذا القرار؛ لأنهم إن عرفوا هذا القرار لن يفتحوا الأسوار، وسوف يظلون محاصرين فترة طويلة من الزمن، وبالطبع فإن حصون بني قريظة كانت كبيرة جدا، وفيها الغذاء والماء، ومن الممكن أن يطول الحصار شهورا، ذهب إليهم أبو لبابة رضي الله عنه وأرضاه فلما رآه اليهود قام إليهم رجالهم، وجهشت إليه نساؤهم، والصبيان يبكون في وجه، الكل يبكي؛ لأنهم يعرفون النهاية، فَرَقّ لهم، فقد كان بينه وبينهم علاقات سابقة، فرق لهم، فقالوا له:




يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال بلسانه: نعم، انزلوا على حكمه.

ولكنه أشار إلى حلقه، أي أنه الذبح، إن الرسول صلى الله عليه وسلم قرر أن يذبحكم.

لقد أفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، خان العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، جريمة كبرى جدا، إنه من الأنصار، ومن الصحابة الثابتين في الإسلام، والعظماء جدا في التاريخ الإسلامي، وله تاريخ فيما سبق، لكن سبحان الله النفس ضعيفه، أخطأ في لحظة، وهذا الخطأ لا يقع فيه كثير من المسلمين، خطأ كبير جدا أفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أبو لبابة رضي الله عنه:




فوالله ما زالت قدماي من مكانهما، حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله. هنا علم أنه أذنب، وأن الذنب كبير جدا، إنها لحظة ضعف، نعم وقع في الخطأ، ولكن هناك التوبة، انطلق أبو لبابة رضي الله عنه على وجه على الفور مباشرة، ولم يأت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ذهب إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربط نفسه في عمود، وقال: لا أبرح مكاني هذا، حتى يتوب الله علي مما صنعت.




فقد ربط نفسه في سارية من سواري المسجد، وقرر ألا يفك نفسه، حتى يفكه الرسول صلى الله عليه وسلم، يفكه بنفسه عندما تنزل توبة الله عز وجل، وكان من الممكن أن يكتم الموضوع، لم ير أحد من المسلمين ما حدث، ولكنه يدرك أنه ذنب كبير، وخطأ كبير جدا، لا بد أن يتوب من هذا الخطأ، ففرصته في التوبة في الدنيا، ولو مات قبل أن يتوب الله عليه ذهبت الفرصة، وقيل إنه قد نزل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال:27].




وصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلم بأن أبا لبابة رضي الله عنه وأرضاه قد ربط نفسه بالعمود في المسجد، وأقسم ألا يبرح هذا المكان، حتى يتوب الله عليه، سبحان الله! إنه عقاب صعب جدا، ولكنها التوبة الحقيقية، ولم تهمه صورته أمام الناس، وأمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يشغله المدة التي سوف يمكثها في محبسه، هل هي أيام، أم شهور، حتى تنزل توبة الله عز وجل عليه، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لما وصله أنا أبا لبابة قد قيد نفسه في العمود قال: "أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ".




الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم لو كان أخبرني قبل أن يربط نفسه، كنت قد سامحته، لكن ما دام أقسم أنه لن يفك نفسه حتى يتوب الله عز وجل، فلن أستطيع أن أتحرك إليه حتى تنزل التوبة من الله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم: "فَأَمَّا إِذْ قَدْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ".




وظل أبو لبابة محبوسا في القيد ستة أيام متواصلة، تأتيه امرأته في كل وقت صلاة تفك القيد فيصلي، وترجع تقيده ثانية من جديد، ألم شديد في النفس، وتوبة سريعة إلى الله عز وجل، توبة صادقة، وبعد ستة أيام، نزلت رحمة الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوبة على الصحابي الجليل أبي لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه وأرضاه، ونزلت التوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم المؤمنين أم سلمة، تقول أم سلمة:




فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر، وهو يضحك، والرسول فرح جدا أنه قد نزلت التوبة على أبي لبابة، حب شديد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين عموم الصحابة، وعموم المسلمين إلى يوم القيامة صلى الله عليه وسلم، فيضحك وعندما سئل: لماذا تضحك؟




قال: "لَقْد تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ".




قالت: أفلا أبشره يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟




قال: "بَلَى إِنْ شِئْتِ الْكَلَامَ".




وهذا حدث قبل أن يضرب الحجاب على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فوقفت على باب الحجرة، وقالت: يا أبا لبابة، وكانت حجرات الرسول صلى الله عليه وسلم مطله على المسجد، والرجل مربوط داخل المسجد، فقالت: يا أبا لبابة، أبشر، فقد تاب الله عليك.




قال: فسار الناس إليه ليطلقوه، كل الناس ذهبت بسرعة تفكه فقال: لا، والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده. فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح أطلقه.




والشاهد من القصة، أن أبا لبابة قد أخطأ خطأ كبيرا جدا، فقد أفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفشى سرا يعتبر من الأسرار العسكرية، أسرار الدولة الهامة، والرسول قد أخبره ألا يذيع هذا السر، ومع ذلك وقع في الخطأ، وليست هذه المشكلة، وإنما المشكلة أن يقع الإنسان في مثل هذا الخطأ، ويظل مصرا على المعصية، ولكن أبا لبابة، لم يصر على المعصية، فبمجرد أن أخطأ ذهب بسرعة وربط نفسه في السارية، وظل هكذا حتى تاب الله عليه، وتاب توبته السريعة جدا لله عز وجل فتاب الله عليه {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء:17].

المشاركات الشائعة